الوضع في سوريا خطير جداً فما تزال آلة القمع والقتل والتنكيل الحكومية هناك تعمل بدأب على حصد المزيد من الأرواح البريئة، وما تزال قوات نظام الأسد تحاصر المدنيين في المدن والشعب السوري يفقد أرواحاً بريئة كل يوم من الشباب والأطفال والنساء والشيوخ والعالم كله يتفرج. وبحسب إحصاءات «الهيئة العامة للثورة السورية» فإن عدد القتلى من المدنيين السوريين منذ انطلاقة الثورة الشعبية في سوريا في الخامس عشر من مارس من العام الماضي بلغ «6275» قتيلاً حتى يوم أمس الاثنين 17/1/2012م. والثورة السورية عمرها اليوم عشرة أشهر ويومان، وبعملية حسابية سريعة وبسيطة نجد أن متوسط «حصيلة» مجزرة النظام السوري من القتلى في الشهر يبلغ «627» قتيلاً، وفي اليوم حوالى «21» قتيلاً. وجاءت الطامة في خطاب الرئيس الأسد الأخير والذي أوضح بجلاء أنه عازم على الاستمرار في تشغيل المجزرة وزيادة «الحصيلة»، حيث إنه ما يزال يتمسك بنظرية المؤامرة و يصر على الزعم بأن نظامه يتعرض لمؤامرة دولية كبرى بمساندة عربية. وبحسب الإحصاءات فإن معدل سقوط الضحايا والقتلى من المدنيين في سوريا قد زاد منذ وصول البعثة، بسبب التفجيرات التي تقول كل الشواهد أنها من تدبير النظام السوري لإلصاق التهمة ب «المتطرفين» الإسلاميين وتعضيد مزاعمه بأن الثوار ما هم إلا مجموعة مليشيات تتبع لتنظيمات «إرهابية» تجد الدعم والسند من «أعداء سوريا». وفي الحقيقة فإن جرائم النظام السوري لا تحتاج إلى مراقبين على الأرض لتوثيقها، فهي موثقة ويشاهدها ملايين الناس في العالم يومياً، فالإعلام الشعبي السوري قام بالمهمة وما يزال يقوم بها خير قيام، فقد وثق الأهالي هذه الجرائم بشكل دقيق عبر كاميرات هواتفهم الجوالة وبثوها في مختلف وسائل الإعلام. إن مهمة بعثة المراقبين التابعة للجامعة العربية في رأيي تبدو عبثية ومن قبيل تحصيل الحاصل، إنها تبدو وكأنها تريد إثبات أن الشمس تطلع من جهة الشرق وتغرب في جهة الغرب !. والبعثة لزام عليها أن تعود بتقرير يوثق المجازر التي ارتكبها نظام الأسد في حق مواطنيه، وقتله المئات من الأطفال والنساء والشيوخ في «درعا» الذين قُبروا في مقابر جماعية. وفي مجازر «ريف دمشق» وكيف قتل جنود الأسد العشرات من الناشطين أمثال «غياث مطر» وغيره وكيف دك النظام بأسلحته الثقيلة وبالدبابات قراها وخلّف فيها دماراً وخراباً. ولا خير في هذه البعثة إن لم توثق للفظائع التي ارتكبها الجيش النظامي السوري في «تلكخ» و «دير بعلبة» في حمص وتضمين تقريرها ما فعله نظام الأسد وشبيحته في أهل هذه البلدة من قتل وتشريد وما يقوم به من حصار عليها حتى الآن.. وفي «الرستن» التي اجتاحها الجيش وقتل المئات من سكانها. ولن يكون لتقرير بعثة المراقبين العرب أية قيمة ولا مصداقية إن لم يصف للرأي العام العربي ما حدث في ريف «حماة» ومدينة «أبو الفداء».. وكيف اجتيحت وقتل المئات من شبابها، واعتقال الآلاف. وكذا الحال في «جبلة»، و«بايناس» وكيف داس جنود الأسد وشبيحته على شبابها بالأحذية الثقيلة وزجوا بالكثيرين منهم في المعتقلات، والقصف بالمدافع الذي شاهده العالم عبر الفضائيات لحي «الرمل» باللاذقية، والمجازر الرهيبة التي ارتكبها الجيش النظامي السوري بحق الأهالي في «إدلب». ويجب ألا يسقط سهواً من تقرير البعثة تلك الواقعة المشهودة التي سلّم فيها أهالي «حمص» بعثة المراقبين العرب دبابة استطاعوا الاستحواذ عليها من الجيش السوري، ما يقف دليلاً ساطعاً على استخدام الجيش للدبابات ضد الأهالي العزل. إن رئيس وأعضاء بعثة المراقبين العرب إلى سوريا أمام امتحان عسير لمصداقيتهم ولأمانتهم ولذممهم، رغم أن الامتحان مكشوف والأوضاع هناك لا تحتاج إلى مذاكرة وأصبح القمع والقتل والقنص عملاً يومياً يقوم به شبيحة النظام. الكل في انتظار تقرير البعثة النهائي بخصوص عملها والذي من المفترض أن ترفعه إلى لجنة الجامعة المعنية بالأمر يوم بعد غدٍ الخميس 19/1، والتي ستناقشه يوم السبت القادم 21/1 ومن ثم بدورها ترفعه للمجلس الوزاري للجامعة العربية لمناقشته في اجتماعه يوم الأحد 22/1، ليقرر المجلس بعدها بشأن إنهاء مهمتها أو تمديدها أو زيادة عدد أعضائها. قطر استبقت تقرير البعثة وتقدمت بمقترح يقضي بإرسال قوات عربية إلى سوريا، وهو مقترح في تقديري سيفجر الأزمة حيث سيؤدي هذا المقترح إلى إشعال نار الخلاف بين الدول العربية ما بين دول مؤيدة له وأخري معارضة بما يؤدي إلى انقسام عربي جديد يفتح الباب على مصراعيه لحدوث الاحتمال الأسوأ وهو تدخل حلف الناتو، وهو تدخل سيضر ليس فقطً بمستقبل سوريا وشعبها، ولكن بمستقبل الإقليم ككل وبمستقبل القضية الفلسطينية والصراع العربي مع إسرائيل، حيث من المرجح أن تعمل الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة الحليف الإستراتيجي لإسرائيل على استغلال الموقف في تدعيم وترجيح كفة ميزان القوى بالمنطقة ليكون في صالح إسرائيل عن طريق تدمير كل القدرات العسكرية الدفاعية منها والهجومية لسوريا وتحويلها إلى دولة كسيحة لتنام إسرائيل قريرة العين بلا أرق ولا كوابيس ظلت تزعجها منذ إنشائها. المزعج جداً أن الأمور تسير نحو التدويل وحدوث سيناريو التدخل العسكري الدولي والذي بدأت مؤشراته تلوح في الأفق وبدأ أقطاب المعارضة السورية يلوحون به ففي مطلع هذا الأسبوع قال المسؤول في تنسيقية الثوار «أبو غالب الأيوبي» كلاماً خطيراً يعكس مدى اليأس الذي أصاب المعارضة «من خير» في الحلول العربية حين قال «أولوياتنا كثوار هي أن نتخلص من الأسد وزمرته بطريقة سلمية لكن إذا استمر القتل فإننا نصر على تدخل دولي وعلى تكرار السيناريو الليبي وعندها سنكون مضطرين للتعامل مع الشيطان من أجل التخلص من هذا النظام وعصاباته».