حسمت زيارة رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت لإسرائيل أخيراً كثيراً من المغالطات حول الدعم الإسرائيلي لحركات التمرد هناك، بعد أن اعلن الجانبان تلك الحقيقة على الملأ وأخرجاها من طورها الخفي إلى العلن، ولكنها فتحت في ذات الوقت الباب امام جملة من التساؤلات حول مدى تأثير تلك العلاقة على الامن القومي السوداني وفقاً لتحرك إسرائيل في المنطقة لتحقيق أهدافها المعلنة والخفية في السودان. وفي هذا الإطار أقام مركز التنوير المعرفي أمس منتدى بعنوان «تأثير الوجود الإسرائيلي في دولة الجنوب على الأمن القومي السوداني» أجمع فيه المتحدثون على وجود آثار عديدة على الأمن والاستقرار في السودان، من خلال دعم إسرائيل للحركات المسلحة التي تتخذ من الجنوب محطة انطلاق لها، بجانب التأثير الاقتصادي من خلال الحرص والعمل على تحريض دول حوض النيل ودولة الجنوب من أجل إعادة صياغة الاتفاقيات الخاصة بمياه النيل حتى يكون لها الحق في مياه النيل، كما تسعى وراء حصول الجنوب على نصيبه من المياه، وهي تعلم أن الجنوب تهطل فيه أمطار بكميات كبيرة تقلل من حاجته للمياه، الأمر الذي يأتي في نهاية الأمر في مصلحتها. وأكد المتحدث الرئيس في الندوة د. شمس الهدى إبراهيم إدريس سعي إسرائيل لعمل اتفاقية جديدة أطلق عليها «اتفاقية حقوق الدول المجاورة لدول حوض النهر» تسمح للدول المجاورة لدول الحوض بالاستفادة من المياه. وأشار شمس الهدى إلى تأثيرات أخرى من بينها سعي إسرائيل إلى تحجيم السودان المسلم وعدم تركه يستقر أمنياً، وقال إن إسرائيل تعمل على إقامة قاعدة عسكرية في منطقة شمال دولة الجنوب لتكون أكثر مجاورة للبحر الأحمر، نسبة لاعتقادها أن مشكلات كثيرة تأتيها من قبل السودان، وتتهمه بدعم حركة حماس بالأسلحة، ووجودها في الجنوب يحقق لها إحكام الحصار على السودان لمنعه من مساعدة حركات المقاومة الفلسطينية، ومنع تهريب الأسلحة التي عمدت بموجبها إلى قصف شرق السودان أكثر من مرة. وأشار إلى أن إسرائيل تعمل على الحفاظ على الطوق غير الإسلامي جنوب الصحراء، ووقف التمدد الإسلامي جنوباً وغرباً، ونوَّه شمس الدين بأن من حق الجنوب إقامة علاقات مع إسرائيل والعكس، ولكن ليس من حقه توجيه العلاقات للإضرار بالسودان وخلق عداء معه. ومن جانبه قال مسؤول الدراسات بمركز الر اصد د. ياسر أبو إن إسرائيل دولة عقائدية عسكرية استخباراتية تعمل على تقوية دولتها وتحقيق مصالحها من خلال إضعاف الآخرين، وأضاف أن وجودها في الجنوب له خصوصية، خاصة أن السودان ظل موجوداً ومهماً في المخيلة الإسرائيلية منذ الخمسينيات باعتباره يشكل طوقاً وحاجزاً بين الدول العربية والإفريقية، واستشهد أبو على ذلك بمقولة رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير التي أكدت فيها أهمية السودان لإسرائيل في المنطقة، وقال إن خصوصية وجود إسرائيل في الجنوب تنبع من أن السودان ليست له علاقات دبلوماسية مباشرة معها ما يسمح لها بالوجود قريباً من الخرطوم وفي داخل جغرافية السودان القديم. وأكد أن كل تحركها في الجنوب وإفريقيا يخدم هدفاً أساسياً بالنسبة لها، وهو الحفاظ على أمنها القومي. وكثير من المشاركين أكدوا أن وجود إسرائيل في الجنوب يختلف عن وجودها في أية منطقة إفريقية أخرى معتبرين أنها تنشئ بذلك دولة إسرائيلية جديدة هناك من خلال وجودها على الأرض، وتقوم بأدوار عديدة ودون حرج لا تستطيع أمريكا القيام بها. ودعا البعض إلى ضرورة الانتباه للسودانيين في إسرائيل، حتى لا تتم إعادة صياغتهم والدفع بهم مرة أخرى إلى هنا، ودعوا إلى ضرورة سد الباب أمام إسرائيل بتحقيق وحدة وطنية كاملة، وعدالة في الحكم بين الناس، خاصة أنها برعت في التدخل عبر ثغرات العرقية والجهوية.