٭ قال لي الحاج »محمد أحمد«، ناهراً: كم عدد وزراء الولايات في السودان يا ولد؟ حوالى تسعين وزيراً. وكم عدد معتمدي المحليات بالسودان؟ حوالى مائة!! وكم عدد المديرين التنفيذيين بالوحدات الإدارية؟ حوالى ثلاثمائة!! دع تسعين مديراً عامَّاً بعدد الوزارات الولائية.. ودع عنك المستشارين ومستشاري المستشارين مالهم، كل هؤلاء؟؟ حولوا »قدح« السودان الذي كان عامراً، إلى »سندوتشات« لا تسمنُ ولا تُغني من جوع !! كيف؟؟ المذكورون أعلاهُ جميعاً، والذين كان يقومُ بأعمالهم موظفون متوسطو الحال، أُعطِيَ كلٌّ منهُم سيارة ثمنها مائتي ألف جنيه «مائتا مليون بلغة العامَّة».. اجمع عدد هؤلاءِ، يا فتى، مضروباً في عدد السيارات فقط، ودع عنك كل شيءٍ آخر. حوالى مائة مليون جنيه »بالجديد« فإن جمعت إلى ذلك، فقط، أثاث مكتب كل من هؤلاءِ، كم يكونُ الناتج؟ أمثلهم طريقةً لا يقل تأثيث مكتبه عن مائة ألف جنيه.. يعني حوالى خمسين مليوناً أو تزيد. لو أنك أعطيت كل خريج لا يجدُ عملاً، أو أُسرةً لا تجدُ قوت يومها، عشرين ألف جنيه فقط، ليستثمروه في الزراعة أو في تربية الحيوان أو في غيرها، كم أُسرةٍ تكونُ قد كفيت بهذه الملايين المائة والخمسين؟؟ سبعة آلاف وخمسمائة أُسرة !! وكم يدٍ تكونُ قد أسديت لاقتصاد البلد بالإنتاج الزراعي والحيواني؟ الكثير.. وبكم مليار تكون قد رفدت «ديوان الزكاة»؟ الكثير.. هل تُحسنُ وزارة المالية الحساب؟ أظُنُّ ذلك.. فلماذا لا تحسبها، إذاً؟ سؤالُ الحاج محمد أحمد الأخير هذا، هُو ما لم أتمكن من الإجابة عليه، فهُو سؤالٌ أدخلُ في باب »الفلسفة« منهُ في باب السياسة أو الاقتصاد.. ولكن الحاج محمد أحمد لم يتركني، وما أظنُّهُ يترك الحكومة، دون أن يلقَى ردَّاً شافياً.. سكت قليلاً قبل أن يعود ليسألني : هل تقرأ أو تسمعُ شكوى الناس من جبايات المحليات؟ نعم.. كثيراً. وهل سمعت أن إحدى المحليات اضطُرَّت إلى بيع ماء المطر لمواطنيها؟ نعم.. سمعت، للعجب!! وهل تعرفُ أهل محلية واحدة، في هذا البلد العريض، راضين عن حكومة محليتهم؟ لا أعرفُ، والله. هذا كُلُّهُ بسبب »السندوتشات«!! كيف؟ معتمد المحلية لن يرضَى بعيشٍ يقلُّ عن مقام »سيارته« الفخمة !!.. ووالي الولاية لن يرضَى لنفسه ولا لوزرائه ولا لمعتمدي محلياته ولا للمديرين التنفيذيين بوحداته الإدارية، عيشاً ضنكاً.. والولايات لا تُنتِجُ ما يكافئ طموحات القوم، فلا سبيل إلاَّ أن تسُدَّ الجبايات من خلق الله المساكين هؤلاء ثغرات تلك الطموحات، ولهذا لا بُدَّ من أن يبيعُوا حتى ماء المطر للناس، إلى غيرها من الجبايات التي تعرفُ والتي لا تعرِف، فإن ضج الناسُ طُولبُوا »بشدِّ الأحزمة«!!.. والله لئن لم يعُد السودان إلى حاله القديم، ويعُودُ »الولاة« مجرد »محافظين« يمتطي الواحدُ منهُم سيارة واحدة، بعشرين ألف جنيه، ويعودُ وزراء الولايات هؤلاء موظفين يتقاضون رواتب تكفي أن تحييهم حياةً طيبةً وكفى، والله لئن لم يحدث هذا لتذهبن ريح السودان. والدستور يا حاج وقانون الحكم المحلي، أين يذهبان؟ يذهبُ الزبدُ جُفاءً .. والدستُورُ الحقُّ والقانونُ، شرعُ الله، فإن أرادُوا غيرهما فليستفتونا!! «أما »قدح« السودان القديم، القدح الحقيقي ولاية القضارف.. فهم يجتهدون الآن في أن يفعلوا بواليها ما فعلوه بالحاج محمد أحمد !!.. ذلك حديثنا غداً إن أحيانا الله»..