التداخل مابين الإستراتيجي والتكتيكي من أكبر التحديات التي واجهت الحركة الإسلامية تجاذب التيارات الداخلية واختلاف وجهات النظر بين قادتها والتداخل بين ماهو استراتيجي وما هو تكتيكي ونضرب لذلك بعض الامثلة «الموقف من حرب الخليج، حرب الجنوب وماصحبها من تضحيات قدمها شباب الاسلاميين ومن ثم إعطاء الجنوبيين حق تقرير المصير بكل سهولة وبدون حسم الكثير من القضايا التي تسمى عالقة، الموقف من القوى الداخلية، التعامل مع ملف دارفور، ملف العلاقات الخارجية وتذبذب البوصلة، تحديد الملفات التي يجب ادارتها سياسيًا وتلك التي يجب ادارتها امنيًا ...الخ» ولن يتم حسم القضايا المطروحة حاليًا في المجالس وجلسات الشلليات الخاصة وتلك التي ستستجد إلا بإسنادها لخبراء ومراكز بحوث ذات طابع اكاديمي متخصص . جدلية الدين والتنظيم والحزب والدولة لاشك ان هنالك بونًا شاسعًا بين التنظيم والدين إذ التنظيم أضحى علمًا يدرس وله خبراؤه ومهندسوه وآلياته وأدواته بما في ذلك اللوائح والنظم التي تحدد اهدافه ووسائل التنظيم وماهية الاعضاء وحقوقهم وواجباتهم ...الخ وهل كل العضوية يطلعون على النظام الاساسي ويُبدون رأيهم حوله؟ بل هل يحق لهم مجرد الاطلاع عليه دع عنك مناقشته ومراجعته واقتراح التعديلات التي تجعله اكثر ملاءمة للواقع ومستجداته فهذه واحدة اما الثانية فهي التداخل الخطير بين الدين كأمر رباني والتنظيم وهو جهد بشري محض، وعليه اصبح الاعتراض او ابداء الرأي حول اي قرار تنظيمي يصور وكأنه مخالفة للدين، كذلك التداخل والتماهي بين الحزب والدولة بصورة يصعب معها تحديد ما هو حزبي خالص وماهو للدولة وكثير من المؤسسات الحزبية والشركات التي لا تنفصل او تنفطم عن ثدي الدولة، وكذلك فإن المسؤول الحزبي الأول غالبًا مايكون التنفيذي الأول كما في الوزراء وولاة الولايات ومديري الادارات، وهل هنالك فرق بين من يعارض الحزب او النظام وبين الذي يعارض الدولة ويسعى لتقويض مؤسساتها الى غير ذلك من التداخل الذي يتطلب إرادة قوية لمعالجته. استدراك لا بد منه الذي نود ان نتطرق اليه هو ان مذكرة العشرة عالجت امرًا تنظيميًا خالصًا، واصحابها من ذوي العيار الثقيل والسبق التنظيمي ويتسمون بالجرأة والشجاعة التي اكسبتهم احترام الكثيرين وغضب الترابي وحوارييه لا سيما وان توقيتها كان في قمة عنفوان الترابي وسطوته التنظيمية، بينما هذه المذكرة عالجت امرًا يخص التنظيم والمواطن بصورة عامة وتطرقت لقضايا كانت من توصيات المؤتمر الأخير للحزب، واصحابها وان كانوا غير معروفين «للعامة» إلا ان وصفهم كشباب ومجاهدين إضافة للتعاطف الذي وجدوه من بعض القيادات مثل د/ غازي صلاح الدين وبروفيسور ابراهيم احمد عمر ود/ امين حسن عمر وكثير من الاعلاميين وقطاعات واسعة من الشباب والرأي العام السوداني وإذا طُرِحت للتوقيع لوجدت تأييدًا من كل الشعب السوداني لاسيما وأن الفساد قد وصل مرحلة استدعت تكوين مفوضية من قبل الرئيس فضلاً عن تقارير المراجع العام وبالتالي الهروب للامام لا يفيد شيئًا والأولى مواجهة القضية بالاعتراف ومن ثم العمل على المعالجة، والفساد أصبح متعدد الاوجه يمتد من المحسوبية القبلية والجهوية والحزبية ومن ثم الفساد المالي والاخلاقي، اما القضية المحورية داخل الحزب والتي دون الفصل فيها فإن الأمر سيزداد تعقيدًا وربما يتطور لمفاصلة جديدة هي قضية الكباتن القابضين على دفة القيادة دون الاستماع للآخر وإن كان الآخر داخل المنظومة ودوننا ما اعترف به المهندس الطيب مصطفى عن التضييق الذي قُبِل به بعد ان صدع برأيه تجاه اتفاقية نيفاشا، وهؤلاء ظلوا لعشرات السنين بل منذ بداية الانقاذ يتنقلون من موقع لآخر كأنما حواء الحركة الاسلامية لم تنجب غيرهم او أتوا مفاتيح الغيب والعلم اليقين، وعليه فإن الحل يكمن في الالتزام بأن لا يتعدى التكليف دورتين في المهام التنظيمية والتنفيذية، يضاف إليه عدم الجمع بين المهام التنفيذية والتنظيمية في وقت واحد، وكل الذي نخشاه ويخشاه الجميع أن تكون هذه المذكرة تكتيكية الغرض منها الاستيزار والاستنصاب ومن ثم ركلها وكذلك الخوف من تجاهلها وعدم الاهتمام اللازم بها من قبل القيادة لاسيما وان قلوب الناس على ثلاثة، مؤمنٌ صادق يريد الاصلاح يقف مع هذه المذكرة حتى تصل لنهايتها وهذا عليه الاستعداد لدفع الفاتورة ان اقتضى الامر، ومنافقٌ مراوغ يقف مع هذه المذكرة إذا كانت تحقق له أغراضه ويقف ضدها إذا كانت مصلحته في غيرها وهؤلاء كثر، ورافضٌ صريح يقف ضد هذه المذكرة لأنه من ضمن الفاسدين والمفسدين المعنيين بالاصلاح، اما القيادة فعليها مسؤولية تاريخية وامانة كبيرة تُوجب عليها اتباع الحق دون تكبر أو تعالٍ والرجوع الى الحق فضيلة لاسيما وان الصادع بالحق خرج من رحم الحركة الاسلامية ولا يزال من كوادرها الحريص عليها وفي الوقت متسع ومن الافضل ان يكون اصلاحًا بيدي من أن يكون تغييرًا بيد عمرو. واخيرا نختم بأن ماكتبناه يعد من باب نقد الذات ولو كانت ابواب الحوار مفتوحة لما دعت الحاجة لمذكرات ولا الى كتابات في الصحف ولأننا على إطلاع تام «وعن كثب لا عن كتب» بأن بعض القيادات يضيق صدرها من ظاهرة النقد الذاتي والحوار ويعتبرون ذلك من باب الفتن وتلبيس ابليس والخروج عن المؤسسية والامرة ويجب ان يُفصلوا من التنظيم حتى لا يشوشوا على الآخرين وهكذا تفقد الحركة ابناءها المخلصين وكثيرين منهم تتجلى مواهبهم ومهاراتهم عندما يخرجون من صف العسكرة التي تمارس ضدهم وهم داخل التنظيم ونؤكد ان الايدلوجيا لا تعسكر وهذا يفسر لماذا توجد ململة ودعوة لإصلاح النفس والإسهام في اصلاح المجتمع والدولة واعادة بناء كيان اسلامي فاعل يحارب الفساد والمحسوبية ويجعل من الإسلام شرعة ومنهاجًا.