ما زلنا مع الشيخ الدكتور علاء الدين الأمين العام لجمعية الإمام مالك الفقهية في حوارنا حول شكل ومضمون الاحتفال بالمولد النبوي وما زلنا معه في المحور الرابع حيث يقول الشيخ الدكتور حول صوم يوم عاشوراء. حكم الأصل: صوم يوم عاشوراء «مندوب» أي سنة الفرع: الاحتفال بالمولد العلة في الأصل الشكر لله تعالى والعلة كذلك في الفرع الشكر لله تعالى على بعثه النبي صلى الله عليه وسلم. ونحن نخالفه في قوله الفرع الاحتفال بالمولد بل الفرع هو الفرح بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته وذلك أن الفرح معنى محرر ومكانه القلب أما الاحتفال فليس معنى محرر ولا تعبداً ويمكن أن يعتريه ما يُخرجه عن المعنى كما أشرنا من قبل، والشيخ الدكتور جزاه الله خيراً يوافقنا على هذا القول، فمقتضى قوله إن الاحتفال مندوب يدل دلالة قوية على أن الاحتفال غير الفرح، لأن الفرح ليس مندوباً بل هو من أوجب الواجبات، بل هو شرط من شروط الإيمان، فأي إيمان تبقّى لمن لم يفرح بالنبي صلى الله عليه وسلم أو حبس فرحه ولم يُظهره إلا مرة في العام. وقد استدل الشيخ الدكتور بالبخاري وابن حجر والسيوطي وخلاصة قولهم رد يختلف عما أوردنا، ويدلنا على ذلك ما أورده الدكتور من ذكر كتاب السيوطي المعنون «حسن المقصد في عمل المولد» دون الاستدلال منه بنص محدد قاطع وها نحن نفعل ذلك حتى نرفع الحرج عن المتلقين والقراء والمهتمين ولسوف اقتصر على جزء صغير ومفيد من هذا الكتاب وهو يفي بالغرض حسبما يبدو منه. قال الإمام السيوطي: «وبعد فقد وقع السؤال عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل هو محمود أم مذموم؟ وهل يثاب فاعله أم لا؟ الجواب: «الحديث كله للإمام السيوطي». عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسّر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك وهو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف وأول من أحدث ذلك صاحب أربيل الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري بن زين الدين علي بن سبكتين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد وكان له آثار حسنة وهو الذي عمر الجامع المظفري، والحديث يطول عن كتاب الإمام السيوطي وقد رد فيه على ابن اللخمي الملقب بالفاكهاني الذي يدع الاحتفال على أن موقف السيوطي لا يزيد على عبارته التي قالها: ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك.ثم أردف: هو من البدع الحسنة. ولولا خشية الإطالة لأسهبت في تتبع قول السيوطي الذي لا يخالفنا إلا في شكل الإيراد لا في الإيراد نفسه ولو رأى ما رأينا اليوم لكان أشد إنكاراً له منا. المحور الخامس: القول فيما عُدّ من البدع الحسنة والخلاف أول ما يشجر إنما يشجر في تعريف البدعة، والبدعة نوعان ولهن أصلان: أصل في اللغة وأصل في الشرع، والذي يعنينا التفريق بينهما. وقد ذكروا أن أفضل تعريف للبدعة هو ما أورده الإمام الشاطبي في الاعتصام حيث قال: «هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الطريقة الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية ويخرج بهذا التعريف ما كان دنيوياً وما كان مصلحة مرسلة» انتهى كلام الإمام الشاطبي. والقوم يستدلون بقول عمر رضي الله عنه عندما أعاد سنة التراويح على أصلها الأول حيث جمع الناس على إمام واحد وأنار المسجد فأعجبه ذلك فقال «نعمت البدعة هذه». وليس في هذا حجة لأحد على إقامة الاحتفال كالذي نراه لأسباب منها أن عمر استخدم اللفظ بمعناه اللغوي وليس بمعناه الشرعي، وعندي والله أعلم أن قوله منصب على الإنارة لا على التراويح لأن التراويح لها أصل وعمر من الموفقين في دين الله، وقصته مع أرض السواد مشهورة ومعلومة، نصره الله فيها وأيد اجتهاده بما لا يخفى على ذي بصر ومن هذه الأسباب أن عمر من الخلفاء الراشدين المهديين الذين يعد عملهم سنة بنص الحديث «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ...» فكل ما يفعله الخلفاء الراشدون هو سنة وليس بدعة، وهذا زيادة في تأكيد أن عمر إنما أراد البدعة في اللغة وهو ما أُحدث من أمور الدنيا لا من أمور الدين. وتجديد عمر له أصل ثابت في السنة ولا يقاس عليه نصب السرادقات وضرب النوبات واجتماع الفُساق لانتهاك الحرمات. ونقول للشيخ إن كلام الإمام الشافعي في البدعة هو عين ما تقول لأنه قال ما أُحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً فهو البدعة الضالة وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو المحمود. ونختم راجين من المولى عز وجل التوفيق والسداد وحسن المقصد ونقول: إنه ليس هناك بدعة في الدين حسنة لأن البدعة هي ما أُحدث على غير مثال سابق والدين أُكمل ولا يحتاج إلى إحداث شيء فيه ونخشى أن يكون قائل هذا طاعناً في الدين أو في الرسالة بقصد أو بغير قصد ثم إن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد بين في الحديث موقف الدين من البدع حيث قال «إياكم ومحدثات الأمور فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار». فانظر إلى قوله «كل بدعة ضلالة» وقد أجمعوا على أنه يفيد العموم فإذا أخرجنا منه البدعة بمعناها اللغوي أي فيما لا علاقة له بالشرع وأخرجنا منه كل مصلحة مرسلة فإنه بعد ذلك لا يفيد مجرد العموم بل يفيد الاستغراق فكل بدعة أريد فيها إحداث شيء في الدين فهي ضلالة على وجه الاستغراق. وحتى الذي فعله الملك المظفر مع سلامته من كثير من المثالب فقد عابوا عليه أشياء مثل مشاركته في بعض الرقصات وربما بعض الألحان إلا أنه كان أقل من كثير مما أُخذ على الفاطميين. وتبقى الحقيقة المُرة وهي أن فكرة المولد أصلاً فكرة لم تصدر عن أحد من أهل السنة وإنما صدرت من قوم أقل ما يقال فيهم أهل بدعة أو إنهم مارقون من الدين وزنادقة، والشك قائم في أصل إيمانهم.