يومها كانت الموظفة الكينية في قسم التجنيس الذي كان يتبع لوزارة العدل بسفارة الولاياتالمتحدةبنيروبي، دوريتا بوتس تستعد لتناول قهوة الصباح مع زملائها وزميلاتها من الأميركيين والأجانب في الطابق الأرضي من المبنى. وقبل الرشفة الأولى من تلك القهوة التي لم تكتمل، كان مبنى السفارة قد فجّر بالكامل من قبل عناصر القاعدة في العاصمة الكينية، لتجد نفسها بين الأنقاض وأفراد من رجال الإنقاذ يحاولون الوصول إليها مع ابنتها التي باتت الآن أمّا لطفلين، وجاءت بصحبتها إلى مقر المحكمة العليا بواشنطن في يوم تاريخي تقدم فيه أهالي وضحايا ومدافعون قانونيون بدعوى قضائية جديدة ضد السودان، مطالبين بالتعويض عن آثار ذلك الهجوم على حياتهم وإكراما لأرواح الضحايا الذين قتلوا خلاله. عندما كانت دوريتا التي جاءت الولاياتالمتحدة قبل عشرين عاما بمعية أفراد عائلتها وباتت تحمل جنسيتها تقف أمام قضاة المحكمة العليا في الداخل، كان هناك مئات من المتعاطفين مع الضحايا وأهاليهم خارج المبنى إظهارا للدعم الكامل للضحايا ومطالبة بتحقيق العدالة في جريمة يقولون عنها إنها لن تسقط بالتقادم. ولأجل تحقيق هذا المعنى، كان الشعار الذي رفعه المتظاهرون والضحايا، إن تحقيق العدالة في أحداث الماضي كفيل بحمايتها في المستقبل. هذه الخطوة من جانب الضحايا يقولون عنها أنها لم تبدأ الآن، إنما تعود إلى الأعوام التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر بعد هجمات نيويورك وأنهم احترموا الإجراءات القانونية المطلوبة، لكن الحكومة السودانية السابقة لجأت دائما إلى التهرب من مسؤولياتها تجاه الضحايا. يوضح فريق الدفاع عن الضحايا وعائلاتهم أن مسؤولية نظام البشير في هجوم نيروبي 1998 يعود إلى إيوائه لقيادة وعناصر القاعدة ومنهم أسامة بن لادن في ذلك الوقت بالخرطوم، إضافة الى تزويدهم بجوزات سفر سودانية سمحت لهم بالتحرك في المنطقة من هناك تظهر مسؤولية الحكومة السودانية عن الهجوم سابقا وعن تعويض الضحايا حاضرا. الدعوى الجديدة ضد الخرطوم في واشنطن تأتي بعد خطوات كبيرة قطعتها حكومة ما بعد الثورة في السودان في طريق إعادة تطبيع علاقتها بالولاياتالمتحدة خلال زيارة وفد حكومي سوداني رفيع الى واشنطن نهاية العام الماضي وإعلان رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع مستوى التمثيل الديبلوماسي إلى مستوى سفير بعد أن كان ولسنوات طويلة في حدود القائم بالأعمال. فيما لا تزال هناك عقبة كبيرة على السودان تجاوزها وهي تلك القرارات التي يضعها الكونغرس من خلال مطالب تتعلق بالحريات الدينية و الإعلامية وحقوق الإنسان والاعتقالات والممارسات ضد النساء وهي مسائل للسودان في العهد السابق سجل طويل من الإدانة لها هنا في واشنطن. يقول أعضاء هيئة الدفاع عن عائلات الضحايا ومنهم المحامي جون آرتون إيفس إنه كمواطن أميركي يتمنى أن يعود السودان بصورته الجديدة سريعا إلى المجتمع الدولي لكن ليس قبل أن تتحقق العدالة لهذه العائلات، وضمان من بعد ذلك ألا تتكرر الممارسات الإرهابية من قبل الحكومات في أي مكان من العالم عندما تدرك أن مرور الزمن لن يعفيها من المتابعات القضائية. هذه العاصفة الجديدة التي تواجه حكومة السودان في واشنطن، ستكون بمثابة تحد آخر لها قبل استفادتها بصورة كاملة من علاقاتها مع الولاياتالمتحدة من خلال المساعدات التقنية والمالية ومن خلال العودة الكاملة إلى المجتمع الدولي كعنصر سلام وشريك فاعل في المجتمع الدولي وفي المحيط الإقليمي وفي قارة أفريقيا. محامو الحكومة السودانية ودبلوماسيوها بواشنطن وهم يغادرون مبنى المحكمة العليا رفضوا إضافة أي تعليق عن مواقف الحكومة السودانية من هذه الدعوى، لكن دفاع الضحايا يشير إلى أن حكومة الخرطوم الجديدة لم تظهر التعاون الكافي حتى الآن على الأقل في سبيل تحقيق العدالة للضحايا والناجين من الهجوم على مبنى السفارة الأميركية 1998. قناة الحرة