(1) القطاع غير المُنظّم في السودان أصبح يُشكِّل قرابة ال (90%) من القوى العاملة في السودان وهو يتشكّل من أصحاب المهن الحُرة من باعة الترمس والطعمية إلى الدّهّابة أي الذين يعملون في مناجم الذهب (صاغة الذهب قطاع خاص مُنظّم)، هذا القطاع يعتمد على السُّوق اعتماداً كاملاً.. فمنذ يناير 2018 أي مع بداية سريان ميزانية الركابي أُصيب هذا القطاع في مَقتلٍ، فارتفاع سعر الدولار الجمركي وانهيار قيمة الجنيه السُّوداني بسبب الحرب الداخلية بين القطط السمان وانعكس ذلك على معاش الناس مُباشرةً، نقصاً في الخُبز، ونقصاً في الوقود، ونقصاً في النقد وبالمُناسبة الأخيرة دي أي نقص السُّيولة مرض اقتصادي نادر الحُدُوث شخصياً لا أعرف دولة في العالم أُصيبت به غيرنا!! المُهم في الأمر أنّ الحياة الاقتصادية في السُّودان منذ التّاريخ المذكور أعلاه تَجهجهت وتَضعضت وأصبحت مُعلّقة بين الحياة والموت..! (2) أها جاءت الهبة الديسمبرية، فاشتدت (الخنقة) الاقتصادية فَزادَت مُعاناة القطاع غير المُنظّم فأصبح يسير بالحد الأدنى من المطلوبات (أكل وشراب) لا تخطيط ولا مشاريع جديدة ولا حتى طُمُوحات، فالكُل ينتظر أن تنعدل الحال ولكن متى تنعدل الله أعلم؟! الكُل يعلم أنّ الأزمة إدارية، بمعنى أنّ الإدارة السِّياسيَّة هي التي أوردت البلاد مَورد التّهلكة وتمثل سُوء الإدارة السِّياسيَّة في الفساد والفوضى والقرارات غير المدروسة أو المُوجّهة للمنفعة الذاتية، ثُمّ جاءت الميزانية الكارثية المُشار إليها وأطلقت رصاصة الرحمة على السُّوق وبالتالي على أصحاب المهن الحرة كَافّة، فتدنت أعمالهم وأصبحوا يشتغلون بالحد الأدنى أي حَدّ الكفاف وهذا بدوره أثّر كثيراً على مُجمل الدخل القومي فتراجع الناتج القومي الإجمالي، وإذا استمرّت الأمور على ما هي عليه، سوف تلحق بلادنا أمّات طه، وسوف تموت موتاً سريرياً – لا سمح الله – فالأمر هنا لا يحتاج إلى انتفاضة سلمية أو مُسلّحة أو تَدخُّل خارجي..! (3) الدول المُستقرة هي التي أبعدت المُجتمع عن الدولة، وأبعدت السِّياسة عن الدولة بمعنى مَهما كانت الأوضاع السِّياسيَّة، فإنّ مَعَاشَ الناس لا يتأثّر، ففي إيطاليا مثلاً ظَلّت البلاد بدون حكومةٍ لمدة قاربت العام نتيجة للخلافات السِّياسيَّة، ولكن ثمن البيتزا لَم يَتَأثّر ولو بليرة واحدة!! فالنشاط الاقتصادي والاجتماعي ظَلّ يعمل بصُورةٍ طبيعيةٍ!! لذلك دعونا ننشد قيام دولة مُعافاة من السِّياسة، دولة كل الوظائف فيها من الوكيل إلى الخفير ومن أعلى رتبة في القُوّات النظاميّة إلى أدناها، وكل القضاء قائم على قواعد موضوعيّة، أي الخدمة العامة بشقيها المدني والعسكري لا صلة لها بالسِّياسة، أما الحكومات فلتبرطع فيها الأحزاب كَمَا تُريد..! (4) بما أنّ المُؤتمر الوطني وإن شئت قُل الحركة الإسلامية قَد سَطَا على الحكومة وأدخل يده في الدولة من الوكيل إلى الخفير، يجب أن يخرج الآن من الحكومة ثُمّ يتم استخراجه من الدولة لتصبح مُعافاة من أيِّ أثرٍ سياسي، ثُمّ بعد ذلك تُوضع التدابير الدستوريّة والقانونيّة التي تحمي الدولة من السِّياسة، أي تقف على مَسافةٍ وَاحدةٍ من كل القُوى السِّياسيَّة، ثم تُساج بسياجٍ قوي يمنع اقتراب السِّياسة منها، وبعدها فليتعارك السِّياسيون كما يريدون إن شاء الله (يتطالعوا الخلا)، ويظل المُجتمع يُمارس حَياته الطَبيعيّة وَيُغَنِّي مع إبراهيم عوض (يا جمال دنيانا.....)..!