مخاض عسير تشهده بلادنا هذه الأيام في أكبر التحديات التي تواجه تماسكها الوطني، نتمناه مولوداً سودانياً غير مشوه ينتقل بوطننا العزيز إلى، حيث الأمن والاستقرار بعيداً عن العنف والصدام والاحتقان والدماء. حينما استضفت الأستاذ الكريم فيصل محمد صالح، الكاتب الصحفي والناشط السياسي المعروف، بمبدئيته وصدقه وحسن قراءته للأحداث أمس الأول السبت على فضائية النيل الأزرق لم يحتج الرجل إلى كثير عناء حتى يجيبني على سؤال (مستقبل العلاقة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري حال رفض الأخير تسليم السلطة إلى حكومة مدنية بناءً على رغبة القوى المنظمة للحراك الثوري؟.). فيصل لم يتردد في أن يضع هذه الإجابة تحت السؤال (إن خطوة إعلان المجلس السيادي من قبل قوى الحرية والتغيير تأتي لإيقاف تمدد المجلس العسكري الذي يريد أن ينفرد بالحكم بعد أن تمددت سلطاته وأصبح يصدر قراراته، وأتوقع أن يحدث صدام مستقبلي). مخاوف الصدام لم تكن كذلك غائبة عن ضيفي الآخر، القانوني المعروف والناشط الحقوقي الأستاذ نبيل أديب، وهو يناشد المجتمع الدولي الذي تأخر على حد قوله في الاستجابة لمطالب التغيير بأن يكون راعياً حتى يمنع الصدام بين العسكر والمدنيين. مازال الصدام متوقعاً على خلفية خطوة (قوى الحرية والتغيير) التي لم تكتمل بإعلان مجلس سيادي من طرف واحد، أو ما أعقب ذلك وحملته القرارات الخاصة بتعليق التفاوض مع المجلس العسكري والشروع في تكوين هياكل السلطة الانتقالية وانتهاج مبدأ التصعيد وتسيير المواكب، كل ما تقدم من تطورات أربك المشهد السياسي وأكسبه تعقيداً أعاد الأزمة لمربعها الأول وجعل الأوضاع في بلادنا على فوهة بركان. ليس من الحكمة أن تقاطع قوى الحرية والتغيير المجلس العسكري الانتقالي، أخشى أن تكون هنالك محاولات لزرع الفتنة بين الطرفين من جهات لها المصلحة في جر البلاد إلى مستنقع أزمات سياسية وأمنية لا تبقي ولا تذر، سبق أن حذرت في هذه المساحة من أطراف تحاول دق أسفين بين الجيش وأهل الحراك المعتصمين. تمنيت على تجمع المهنيين الذي يقود قوى الحرية والتغيير أن يحافظ على ذات الهدوء والذكاء الذي لازم مواقفه منذ بدء الحراك، وأن لا يتبنى ردود فعل أكبر من المطلوب في سقوفات وتكنيك التفاوض السياسي، أي تغيير على نسق ما يحدث الآن لن يكتمل إلا بوجود الجيش في مسرح العملية الانتقالية. من حق تجمع المهنيين أن ينتقد وجود زيد أو عبيد في المجلس العسكري، ويشكك في ولائهم للنظام السابق، لكن عليه أن لا ينسى دور الجيش في حماية الحراك وتوفير الملاذ الآمن للمعتصمين وتغييره لقائدين خلال يومين استجابة لضغط الشارع، وعليه كذلك الاقتناع بأن هنالك عناصر داخل المجلس لديهم ولاء للمبادئ التي انحازوا من أجلها وتسلموا السلطة ووفروا الحماية للمعتصمين. نتمنى أن يكون الحوار الهادئ المتعقل هو الطريق الذي يمكن أن نعبر به هذا المنعطف الخطير من تاريخ السودان، تعالوا إلى كلمة سواء تحقق وجود الجيش كضامن للتحولات المستقبلية ومراقب للترتيبات الانتقالية وادفعوا بحكومة مدنية من التكنوقراط لإدارة البلاد في الفترة المقبلة بتمثيل للقوات المسلحة، تنقل البلاد إلى مناخ التحول الديمقراطي. على المجلس الانتقالي التواضع على صيغة للحوار تخاطب هواجس قوى الحرية والتغيير، وتدير معهم نقاشاً هادئاً حول المطالب التي يمكن أن تنفذها الحكومة المتفق عليها. بعض الهتافات ضد الجيش وقياداته ربما أسهمت في تأزيم الموقف، ودفعت إلى مفاصلة نفسية بين المجلس العسكري والمعتصمين، تحري العقلانية حتى على مستوى الهتاف مهم في نسج خيوط التواصل المفضي إلى تفاهمات تعصم البلاد من الطوفان وانسداد الأفق.