المؤتمر العام الثامن للحركة الإسلامية السودانية، الذي عُقد في الخرطوم منتصف نوفمبر 2012م، وشرفه بالحضور كوكبة من قادة الحركات الإسلامية من دول الربيع العربي.. عدّه كثير من المراقبين محطة بارزة في مسار ثورات الربيع العربي، وفي علاقة هذه الحركات الإسلامية بالحركة الإسلامية السودانية، فلم يحدث أن التقى قادة هذه الحركات بهذا العدد وبهذا المستوى الرفيع من القيادات من قبل أو من بعد حتى الآن في مؤتمر معروف ومنشور، الأمر الذي عدّه البعض اعترافاً من هذه الحركات بالدور الذي لعبته والذي يمكن أن تلعبه الحركة الإسلامية السودانية، فقد حضر من مصر وفد رفيع من حركة الإخوان المسلمين بقيادة المرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور "محمد بديع"، ومن تونس وفد حركة النهضة بقيادة زعيمها الشيخ "راشد الغنوشي"، وحضر زعيم الجبهة الإسلامية في ليبيا، وزعماء الحركات الإسلامية من المغرب وموريتانيا وفلسطين وسوريا واليمن ولبنان وتركيا، وغيرهم من القيادات والمفكرين في مختلف أنحاء العالم. في هذا المؤتمر العالمي للحركات الإسلامية قامت اللجنة المنظمة للمؤتمر باختيار كتابي (الربيع العربي ثورات لم تكتمل بعد) ضمن عدد محدود من الكتب، وإعادة طباعته وتوزيعه على المؤتمرين. كما طلب مني أن أقدم محاضرة للمؤتمرين كان عنوانها (صعود الإسلاميين للحكم في المنطقة العربية وأثره على المشروع الإسلامي في السودان)، قدمتها في اليوم الثاني للمؤتمر. وبعد مضي عامين على ثورات الربيع العربي أجد ملاءمة كبيرة بين ما جاء فيها والحالة التي تمر بها ثورات الربيع العربي. قامت اللجنة المنظمة للمؤتمر بطباعة المحاضرة في كتيب وذيلته بعبارة (يطرح هذا البحث واحدة من القضايا التي تشغل الساحة السودانية والإسلامية، ورغم أن واحداً من أغراض البحث أن يشكل رأياً متقارباً بين أعضاء الحركة، إلا أن طرحه في هذا المؤتمر لا يمنع أحداً من أعضاء الحركة الاختلاف مع بعضه أو الدعوة إلى تجويده)، فإلى ما جاء في المحاضرة: { مقدمة: المقصود بالإسلاميين أصحاب المنهج الإسلامي الذي يؤمن بشمولية الإسلام باعتباره الضابط والموجّه لكل مشارب الحياة، والحكم أحد الآليات الأساسية لإنفاذ هذا المنهج الإسلامي. والمقصود هنا هو صعود التيارات الإسلامية التي صعدت أو في طريقها للصعود إلى الحكم في بلدان مثل (مصر، تونس، ليبيا، المغرب، واليمن.. الخ) أو بمعنى آخر التيارات الإسلامية التي صعدت للحكم في دول الربيع العربي عبر صناديق الاقتراع. البعض يعتقد أن صعود الإسلاميين للحكم عبر الانتخابات ظاهرة جديدة جاءت بها ثورات الربيع العربي، والصحيح أن الجديد هو إقامة انتخابات حرة ونزيهة تتيح للشعوب أن تختار ممثليها دون ترهيب أو تزوير، فقد سبق أن وصل الإسلاميون إلى الحكم عبر الانتخابات في السودان (الجبهة الإسلامية القومية) عام 1986م، وفي تركيا "نجم الدين أربكان" من حزب الرفاه عام 1996م، وفي الجزائر (جبهة الإنقاذ) عام 1991م، وفي فلسطين (حماس)، ثم في تركيا حزب العدالة والتنمية بقيادة "رجب طيب أوردغان" عام 2002م، وكل هذه المحاولات أجهضت بفعل التدخلات الخارجية وحلفائهم في الداخل عدا الأخيرة، أعني حزب التنمية والعدالة في تركيا. وتعدّ وسيلة الجيش لوصول الحركة الإسلامية في السودان إلى الحكم عام 1989م حالة استثنائية، اضطرت إليها الحركة عندما سُدت أمامها الوسيلة المشروعة، وهي وسيلة الانتخابات، على أن يرد الأمر لأهله وأصله بعد تمكنها من الحكم. ما زال هنالك من يشكك في إطلاق كلمة ثورة على ما حدث في بعض دول الربيع العربي، غير أن الذي لا ريب فيه أن ما شهدته المنطقة العربية من انتفاضات شعبية يحمل دون شك كل المقومات العلمية لمفهوم الثورة، إذ حسبنا هنا أن نعتمد، ونحن واثقون، على حقيقة المد الشعبي الجاسر الذي تمتعت به هذه الانتفاضات، ليفضي إلى انحطام جهير في استمرار دولة ما بعد الاستعمار العربية. الحركة الإسلامية في السودان، ومنذ تأسيسها، تمتلك رصيداً مقدراً من العلاقات مع الحركات الإسلامية، وفرصة وصول الإسلاميين إلى الحكم مصحوبة بأجواء الحريات أتاح لها فرصاً أوسع لمزيد من الالتقاء والتشاور وتبادل التجارب مع هذه الحركات، وقد تفاعلت الحركة الإسلامية السودانية مع هذه الحركات أثناء ثورات الربيع العربي تناصراً ودعاءً. هذه الورقة تتطرق إلى واقع ما قبل ثورات الربيع العربي، وما أعقب ذلك من تحديات وفرص مع التعرض لمتطلبات المرحلة القادمة. { البيئة العربية ما قبل ثورات الربيع العربي وأسباب مشاركة الإسلاميين في الثورات والتصدي لقيادتها: 1 - تميزت بيئة مجتمعات الثورات العربية التي سبقت قيامها بالاستبداد، تأليه الحاكم وتهميش المواطن وحرمانه من أبسط حقوقه السياسية والاقتصادية، وسيطرة الأجهزة الأمنية وتدخلها في كل صغيرة وكبيرة لمصلحة الحاكم والنظام على حساب حقوق المواطن وتجيير الانتخابات لمصلحة النظام ترهيباً وتزويراً. 2 - الظلم الاجتماعي والفساد المالي والإداري الذي ضرب بجذوره وجوه الحياة كافة وحوّل المجتمع إلى طبقتين، طبقة الأغنياء والمنتفعين من حاشية الحكم، وطبقة الفقراء وهم معظم أفراد الشعب. 3 - التبعية المذلة والشعور بالهوان تجاه الغرب عموماً وربيبته إسرائيل والولايات المتحدة على وجّه الخصوص وانحيازها ضد قضايا الأمة العربية والإسلامية، وازدواجية المعايير في تعامل الغرب مع قضايا المنطقة. 4- نال الإسلاميون الجزء الأكبر من المعاناة، فكانوا هم في مقدمة المقصودين بالحرمان من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. أودعوا السجون، وذاقوا ألواناً من التعذيب والحرمان ومصادرة الأموال والشعور بفقدان العزة والكرامة للأمة.. كانوا الأقرب للمواطن ولمعاناته، لذلك كان الطبيعي أن يكونوا في مقدمة المنتفضين والمتصدين لقيادة ثورات الربيع العربي. { سمات ثورات الربيع العربي تتسم ثورات الربيع العربي بعدد من السمات العامة يمكن تلخيصها في ما يلي: 1 - الطبيعة الشعبية: وهي العامل الأظهر في ثورات الربيع العربي، فهي ثورات عميقة الجذور الشعبية وشاملة لفصائل المجتمع ومكوناته كافة. 2 - الطبيعة الأيديولوجية: وأعني بها تقدم الشعار الإسلامي والتيار الإسلامي في كل أقطار الربيع العربي، والأغلب أن هذا التيار الإسلامي الصاعد هو التيار المستنير المعتدل غير المتطرف أو المتهاون، التيار العقلاني صاحب الخبرة والتجربة، المدرك لمعاني التعددية السياسية والثقافية والتعامل مع الآخر. 3 - الطبيعة المطلبية: وهذه طبيعة ذات خصوصية، إذا ما عددناها بمثابة الوقود المحرك للثورات، فلا شك أنه سيشكل مقياساً لنجاح الربيع العربي الذي سعى إلى نيل مطالب لم تكن لتُنال بالتمني، مثل العدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية واجتثاث الفساد وابتداع فرص للعمل في ظروف البطالة المتفشية. أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أم درمان الإسلامية