تقع العاصمة السويسرية (جنيف) في الجزء الغربي من الكرة الأرضية، ويمتد نهارها في فصل الصيف الحالي ل(15) ساعة لا تغيب عنها الشمس، ولكن تتدفق مياه السماء بلطف على شعب شديد المراس عاش سنوات حروب قاسية في أرض جبلية شديدة الوعورة.. و(جنيف) في قلب أحداث العالم السياسية والاجتماعية والرياضية تحتضن بين ذراعيها أهم المنظمات العالمية، كلجنة حقوق الإنسان ومقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر.. واليونيسيف التي تتقاسم مع السفارة الإسرائيلية بناية واحدة، ويفصل بينهما والسفارة السودانية بضع خطوات.. ومنظمة العمل الدولية، والملكية الفكرية.. وللسودان وجود كبير في الأراضي السويسرية من خلال مئات الموظفين السودانيين في المنظمات الدولية، وهم إما جنوبيون أو من إقليمي دارفور وكردفان، حيث تنشط الحركات الدارفورية في (جنيف) وكذلك الحركة الشعبية قطاع الشمال والمؤتمر الشعبي، الذي عقد في شهر مايو الماضي مؤتمراً لمنسوبيه في أوروبا الغربية خاطبه د. "علي الحاج محمد"، وينتظر أن يخوض السودان في شهر (سبتمبر) معركة حول أوضاع حقوق الإنسان بتقديم البروفيسور "مشهود بدرين" الخبير المستقل لحقوق الإنسان تقريره عن الأوضاع في السودان، حيث تنشط الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وهولندا في (محاولة) إعادة السودان للبند (الرابع) الرقابة.. وتنافح بعثة السودان في جنيف التي يقودها السفير "حمزة عمر حسن" للحيلولة دون بلوغ الولاياتالمتحدة أهدافها بإعادة السودان إلى عصر الرقابة والتفتيش بعد أن ارتقى للبند العاشر الخاص بالدعم الفني.. وبدا للمراقبين في جنيف أن وزارة العدل والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بذلا جهداً خلال العام الجاري لا للدفاع عن أوضاع حقوق الإنسان.. بل إثبات أن السودان ضحية لممارسة قمعية ارتكبت بحق مواطنيه من جهة متمردي قطاع الشمال وتحالف الجبهة الثورية. { العدل ونخبة الدفعة ثلاثة ملفات تبدى نجاح النخبة التي تقود وزارة العدل فيها.. أول تلك الملفات الاستقرار الداخلي لبيت الوزارة، حيث شهدت في السنوات الأخيرة تجاوزات كادت أن تذهب بوقارها وهيبتها، سواء بالصراع بين الوزراء والمستشارين أو بين قيادات الوزارة، كما في قضية تصفية الحسابات التي استهدفت الوزير "دوسة" نفسه ولكن في شخص المستشار "مدحت عبد القادر".. التناغم بين الوزير "دوسة" ووكيل الوزارة مولانا "عصام الدين عبد القادر" ومولانا "عمر أحمد" المدعي العام، وهؤلاء يشكلون قيادة الوزارة وعصبها ولحمها، في تناغمهم تحقق قدر كبير من الاستقرار المهني، وارتقت بناية الوزارة من (خرابة) تطل على شارع النيل إلى برج في قلب شرق الخرطوم. والملف الثاني الذي وضعته الوزارة في الأولويات قضية حقوق الإنسان، وتبعاتها الداخلية والخارجية، حيث أسند للدكتور "معاذ تنقو" وهو خبير في القانون وذو شخصية فذة مهمة إدارة ملف حقوق الإنسان.. و"تنقو" يحظى بثقة كبيرة في دوائر غربية عديدة خاصة في بريطانيا التي يحمل جنسيتها.. وساهم في قبول "تنقو" غربياً انتماء الرجل الجغرافي لولايات دارفور، حيث ينحدر من مدينة الجنينة. وأبدت وزارة العدل اهتماماً كبيراً بقضية حقوق الإنسان، لتأثيرها على علاقات السودان الخارجية وانسياب الدعم الفني والاقتصادي من قروض ومنح، إضافة للتشوهات التي تحدثها الخروقات على صورة السودان كدولة وتوجه إسلامي حاولت جهات عديدة دمغه واعتباره قريناً حتمياً بخرق حق الإنسان الطبيعي في اختيار العقيدة الدينية.. وفي ذلك ضم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الأجهزة الحكومية المعنية بإنفاذ القانون كالشرطة وجهاز الأمن والمخابرات وإدارة المخابرات العسكرية، ويقول د. "معاذ تنقو" إن كل القضايا التي عرضت على المجلس من خروقات قامت بها أجهزة الحكومة تم الفصل فيها.. وتمثل الدورة القادمة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف اختباراً آخر لمواجهة الإدعاءات المثارة في وجه السودان.. والملف الثالث قضايا الفساد وطهارة الحكم، وقد تم تحريك بعض القضايا في هذا الصدد. { دبلوماسي يبيع الثياب الزائر من السودانيين لمدينة (جنيف) تحمله الإمبراطورية النسوية حملاً للبحث عن الثياب السويسرية التي تهيم المرأة السودانية بها عشقاً سرمدياً منذ قديم الزمان، وتغنى للثوب السويسري عشاق وعاشقات.. فما هي قصة هذا الثوب السويسري في موطنه ومنشئه يقول "عثمان رضوان" صاحب المتجر الوحيد في سويسرا الذي يعرض الثياب السودانية، إن سويسرا لا تنتج ثوباً واحداً ولا تملك مصانع للغزل والنسيج، ولكنها تحتكر ماركة تجارية فقط وتنال من ريعها ملايين اليورهات سنوياً. ويقول "عثمان رضوان" في حديثه ل(المجهر) من متجره الواقع قرب بحيرة البجع الشهيرة إنه كان يعمل دبلوماسياً في وزارة الخارجية حتى عام 1984م، وبعد انقضاء فترته بسويسرا قرر تقديم استقالته والعمل في التجارة.. وقمت بافتتاح هذا المتجر لتصدير الثياب السويسرية للسودان وموريتانيا والصومال والهند وتشاد وأخيراً إريتريا.. ويضيف: جميع مصانع النسيج في دولة النمسا وبسويسرا ليس بها مصنع واحد.. ولقرب المسافات، ولأن أوروبا تحكمها قوانين ليست كقوانين الشرق وأفريقيا، أسس رجل أعمال سويسري مصنعاً في مدينة فينا بالنمسا لإنتاج الثياب.. ولكن بموجب اتفاق يعد المصنع سويسرياً في الأراضي النمساوية. ويضيف "عثمان رضوان": تأثرت تجارة الثياب والمنسوجات بالأوضاع الاقتصادية في السودان وتعقيدات تحويل العائدات، فاتجهنا إلى دول الخليج حيث نصدر الثياب إلى دبيوجدة وأبو ظبي، ومن هناك يتعامل التجار السودانيون مع آخرين في الداخل عن طريق مدخرات وتحويلات المغتربين.. وتفقد الدولة ملايين الدولارات من العملات الصعبة بسبب سياسات اقتصادية خاطئة. { لاعب هلالي يحترف الترجمة "عثمان الجلال" لاعب الهلال السابق، حينما اعتزل كرة القدم لم يذهب إلى كرسي القماش أو يترقب منح الإداريين وعطايا العشاق السابقين لفنه الرفيع.. فالرجل درس اللغات بجامعة الخرطوم أثناء حقبة وجوده في كشف الهلال من "قاقارين" و"عبد الله المر".. وآثر "عثمان الجلال" أن ينأى بنفسه عن عشقه الأبدي ويعمل الآن مترجماً في دولة سويسرا بمنظمة العمل الدولية.. سألته (المجهر) عن متابعته لشأن الهلال فقال: انقطعت صلتي بالهلال منذ الثمانينيات وآخر مرة دخلت إستاد الهلال كان بحرس عرين الهلال اللاعب الفذ "بور" من جنوب السودان، وفي الدفاع "طارق" و"مجدي" و"تنقا"، و"منقستو" و"العوني" في الوسط.. الهلال اليوم أشاهده في التلفزيون وقد فقد ملامحه وأصبح مزيجاً من الماليين نصف الموهوبين وفاقد احتراف من نيجيريا والسنغال.. الهلال الآن فريق بلا مواهب تمتع المشاهد، وقد عزف الجمهور عن متابعة المباريات من داخل الإستاد بسبب ندرة المواهب.. الجماهير كانت تشاهد "الدحيش" و"علي قاقارين"، وشخصياً أعد لاعب الهلال "منصور بشير تنقا" آخر موهوب غادر كشف الفريق ولم يعد للهلال حتى اليوم. في حقبة "البرير" الحالية سمعت أن لاعبي الهلال يطالبون بمستحقات الترحيل ووجبات الإفطار، ومياه الشرب في التمارين غير متوفرة.. لماذا تبقى إدارة الهلال إذا كانت عاجزة عن فعل شيء؟؟ الكرة السودانية بصفة عامة تحتضر، ولا مستقبل لها إذا كانت تعتمد على محترفين غير موهوبين تأتي بهم إدارات الأندية للربح فقط.. بريطانيا بدأت تفكر جدياً في تقليل عدد المحترفين، والبحث عن صيغة لتجعل للمواهب البريطانية مقاعد في الأندية الكبيرة حتى لا تجد بريطانيا نفسها بعيدة عن التنافس على كأس العالم كل مرة.. الاحتراف الحقيقي ينهض بكرة القدم، ولكن الاحتراف العشوائي كالذي في السودان يدمر كرة القدم.. { د. "علي الحاج".. هاتف منتصف الليل تغرب الشمس في (جنيف) حوالي الساعة العاشرة بتوقيت السودان، ولكن المدينة الهادئة تميل إلى السكون منذ الخامسة مساء بتوقيت السودان.. بعد وصولنا إلى (جنيف) انتقلنا إلى فرنسا نزولاً لنصائح أسداها لنا الأخ "عبد القادر عبد الرحمن أحمد" مدير العلاقات العامة بالسفارة السودانية، وهو شاب بهي الطلعة نشط جداً في خدمة السودانيين، سألته عن الصحافي المقيم بسويسرا "إيهاب إسماعيل" الناشط في أوساط السودانيين هناك، وزودني برقم هاتفه، حيث يقيم في مدينة (لوزان) أو إمبراطورية كرة القدم حيث مملكة سيب بلاتر، التي لا تغرب شمسها مطلقاً.. حدثني "إيهاب" باقتضاب عن الأوضاع هنا.. وفي هجعة الليل رن هاتف الغرفة.. وكان في الطرف الآخر الأخ "إيهاب إسماعيل" الذي قال بصوت ممزوج بالحنين للسودان: تحدث مع د. "علي الحاج" الذي سأل عنك والوزير "محمد بشارة دوسة"!! بذات النبرة والضحكة والثقة في النفس والود العميق تحدثت معه، قال د."علي الحاج": لماذا لا تأتي لتزورنا غداً حيث نقيم في منطقة ليست بعيدة عن جنيف.. حوالي الساعتين فقط بالقطار.. سألت د."علي الحاج" عن مستقبل المبادرة التي طرحها من جانبه ل"علي عثمان" وقد عرفت في الإعلام بلقاء (العليين)، فقال د. "علي الحاج": يبدو أن القيادة والجماعة في الخرطوم رفضوا المبادرة شكلاً ومضموناً.. أنا اتفقت مع "علي عثمان محمد طه" على (18) نقطة، وتركت له طرحها على قيادة الحكومة ممثلة في الأخ الرئيس والتزمت من جانبي بطرحها على قوى المعارضة بما في ذلك حزب المؤتمر الشعبي، ولكن (المقتولة ما بتسمع الصايحة).. ضحك "علي الحاج" وقال: السودان يمر بظروف استثنائية إذا لم نتنازل جميعاً من مواقفنا المسبقة، ربما لا نجد يوماً وطناً نتصارع على أرضه أو من أجله، وانقسام الجنوب قد لا يكون الأخير. قلت له: هل الإسلاميون يمكنهم تجاوز جراحاتهم؟ فقال: يا أخي السودان أكبر من كل شيء.. يجب أن ننظر إلى الأمام وأن لا نصبح أسرى للتاريخ.. لأكثر من ساعة تحدث د."علي الحاج" بحنين دارفوري وقلب رجل كبير، ولكن فشلت في الوصول إليه لا لوعورة الطرق ولكن لأن موعد مغادرتنا الأراضي السويسرية قد أزف و"علي الحاج" سياسي يسعد ويشرف أي صحافي أن يتحدث إليه! { صيدلاني في سويسرا "خالد الأمين كعورة" من مدينة ود مدني يملك واحدة من أكبر الصيدليات في جنيف.. يقول عن تجربته إنه وصل هنا عام 1979م، لدراسة اللغات، ولكنه اختار الصيدلة وحصل على درجة الدكتوراه عام 2000م، وسمحت له السلطات بافتتاح صيدلية عمرها الآن (13) عاماً.. تزوج د."خالد" في السابق من سودانية وحينما انفصل عنها تزوج برازيلية أنجبت له بنتين وولداً ويقول: لم أغب عن السودان مطلقاً، سنوياً أذهب للخرطوم وود مدني لزيارة الأهل وأحتفظ في مكتبتي الصوتية بتسجيلات نادرة ل(البلابل) و"وردي" و"محمد الأمين" و"الكابلي".. عن سويسرا يقول: هي أرض لشعب يعيش في السابق على سفوح الجبال.. كان السويسريون من أقوى جيوش العالم قاطبة، وكانوا متخصصين في الحروب أشداء، عاشوا ظروفاً صعبة جداً.. والسويسريون أصلهم ألمان، وكما تشاهد هذه بلد منظمة جداً وأي سويسري يتلقى تدريبات عسكرية ولديه بندقية في بيته.. الجرائم في سويسرا قليلة جداً، وأغلب المجرمين من الأجانب. ويقول عن السودانيين إنهم موجودون في كل المدن السويسرية، وأغلبهم معارض للحكومات في السودان لأسباب غير معروفة.