لا أعرف مَنْ الذي اخترع (ربطة العنق).. لكنه على أية حال اختراع غريب بعض الشيء.. حيث لا أدري ما هي العلاقة بين (الأناقة) و(ربطة العنق)، ولا أدري (الحكمة) في التزام العالم الصارم بهذا الإرث المليء (بربطات العنق).. إلى درجة أن بعض (بطاقات الدعوة) لحضور المناسبات الرسمية تطالب بها، فتقول صراحة إن على المدعوين الالتزام بربطة العنق! و(ربطة العنق) أو (الكرفتة) كما نسميها نحن في السودان لا تجد الانتشار الواسع الذي شاهدته بعيني في الدول الأخرى العديدة التي زرتها، حيث تجد معظم البشر (مربوطين) من أعناقهم.. بل يرتدون (بدلة) كاملة ذات لون واحد علاوة على (القميص) و(الكرفتة)!! ربما الطقس في تلك البلاد يساعد على هذه الملابس المتعددة القطع ويبرر للالتزام (بربطة العنق)، دون الشعور بالاختناق مثلما يحدث في السودان شديد الحرارة وكثير الغبار.. ومع ذلك فهناك كثيرون في السودان أملت عليهم طبيعة عملهم الالتزام بربطة العنق بل و(البدلة) أيضاً! (المحامون) و(المحاسبون) وموظفو بعض الشركات ملتزمون إلى حد كبير بربطة العنق.. و حينما نشاهد شخصاً في الشارع وهو يضع ربطة عنقه نستطيع أن نخمن أنه محامٍ أو محاسب في بنك.. وهذا لا يمنع أن هناك من يضعون ربطات العنق ممن يعملون في مجالات أخرى أو لمجرد (المظهرية) ليس إلا و لكنهم قلّة على أي حال. و (ربطة العنق) تعطي صاحبها نوعاً من الوقار والأهمية وربما (الوجاهة) أو هكذا يقول الناس ويعتقدون.. لكن المؤكد أيضاً أن معظم الذين يضعون ربطة العنق- وأنا منهم- يشعرون بنوع من الضيق والاختناق ويخلعونها في أول فرصة تتاح لهم، بمجرد خروجهم من أعمالهم أو وصولهم لمنازلهم.. وهذا الشعور الداخلي بالضيق تعكسه حركة أياديهم وهم يعدلون كل لحظة من ربطة العنق، أو يحولونها بتوتر يميناً وشمالاً أو إلى أسفل حتى تصبح (العقدة) أقل ضيقاً! وإذا كان هناك كثيرون يضعون (ربطة العنق) فإن بينهم ورغم بساطة الفكرة من لا يعرفون كيف يربطون (الكرفتة)، ويفضّلون عدم الإخلال بربطتها و الاحتفاظ بها كما هي، حتى لا يضطرون إلى تكرار عملية الربط كل مرة والاستعانة بالآخرين ! ومنذ فترة كنت في المطار بصالة المغادرين وشاهدت أحد الأصدقاء بالصدفة وهو يحمل (الكرفتة) في يده، فقلت له ما الحكاية هل خلعتها بسبب شدة الحر؟ فأجابني ضاحكاً بل أبحث عمّن يربطها لي.. فأنا لا أحبها ولا أضعها في عنقي لولا ظرف هذا السفر.. ثم استعان بشخص آخر ووقف أمامه ليربط له (الكرفتة)، بينما المسافرون الآخرون يرقبون المشهد بشكل عادي جداً.. ابتسمت وانصرفت و.. مازالت حتى هذه اللحظة فكرة (ربطة العنق) تشغلني، ومازال السؤال عن من هو (مخترعها) و(الفلسفة) منها يطرح نفسه أمامي!!