قرأت قبل يومين .. أن أدوية السرطان قد تم توفيرها بنسبة عالية، وقبل أن أتثبت من الخبر.. فجعتني الأنباء بأن أزمة دوائية حادة باتت تعصف بالبلاد، وهو ما أشارت إليه (المجهر السياسي) في صدر صفحتها الأولى أمس . الخبر الذي أشعرني بالإعياء، وجعلني أضع يدي على قلبي خوفا على بقية الناس الصامدين في سودان اليوم، قال إن أدوية الضغط، وأمصال السعر والعقارب، ومصل الكبد الوبائي، وبعض الأدوية المسيلة للدم، فضلا عن لبن الأطفال .. خرجت كلها من السوق، وجعلت أرفف الصيدليات أفرغ من جيوب الناس .. عقب سياسات الإفقار (المؤتمر وطنية) ! الكارثة الآن امتدت إلى مساحات جديدة، وليس هذا وحده الذي يقلق المنام، لكن ما يخيف أن 50% من شركات الدواء قد توقفت عن البيع، ما يعني أن البقية على الطريق، وأن الصيدليات ستتحول قريبا إلى دكاكين خاوية من الدواء ! معيار القبول بالحكومة .. أي حكومة .. هو مدى قدرتها على حماية إنسانها من الكوارث، لكن الحكومة السودانية، تدحرجت من مرحلة حماية هذا الإنسان من الكوارث، لتدخل بجدارة مرحلة (تسبيب) الكوارث، بعد معالجاتها الاقتصادية قصيرة النظر عميقة الأذى ! أتلفت يمينا ويسارا، وأبحث عن شيء لم تدركه آفة الكارثة الاقتصادية .. فعسى أن أجد خبرا أو أثرا .. أنقل به الفرح لأفراد أسرتي، وأبشر به قارئي (تحت الغيم)، فينقلب البصر خاسئا وهو حسير ! أزمة جازولين حادة تعصف بكردفان، وتهدد بفشل كامل للموسم الزراعي، استمرار ضعف المياه أو انقطاعها في أجزاء واسعة من البلاد ومنها العاصمة والأبيض وبورتسودان، تذبذب في الإمداد الكهربائي، وانقطاع يومي تشهده أحياء العاصمة باستمرار، علما بأن خطة وزارة الكهرباء بعد أن فرضت جمرتها الخبيثة على الجميع .. هي أن يكون سقف القطوعات ربع ساعة فقط في العام ! تذهب للسوق .. وتسعى للشراء، وحينها تفاجأ بأنك تدخل عالما غريبا لا تعرفه ولا يعرفك . الخضار، الفاكهة، اللحوم، الملابس، الأدوات الكهربائية، كلها تسخر من كل حديث حكومي عن معالجات لا يحسها الناس بقدر سماعهم عنها، ليصبح رب البيت مشلولا عن توفير الاحتياجات الاساسية لأسرته، ولتصبح المهددات الاجتماعية التي لا نريدها للأسرة السودانية المستورة .. غولا يجعل هذه الأسر صيدا سمينا لها ! حدثني بالأمس أحد الأصدقاء من عطبرة، وقال لي إنه قد شفي من نوبات الملاريا منذ أكثر من عشر سنوات، حيث كان قد قضى تلك المدة متعاقدا خارج السودان، وأشار إلى أنه شعر قبل أيام بأعراض الملاريا، فتوجه لمعمل مختص .. لتتأكد إصابته ، لكن الأمر لم يقتصر عليه، بل أكد أن معظم الحالات التي لاحظها في المعمل .. كانت تحمل نتائج تؤكد وجود الملاريا .. وتبشر بعودتها الظافرة لدماء الناس بعد انحسار الدعم المالي لمشاريع المكافحة ! رمضان قادم، والأعياد قادمة، وحقن التخدير الحكومي بالدعم والمساندة تقصر عن محاصرة المصيبة، ومع ذلك يتحدث مسؤولو المؤتمر الوطني بفرح عن رضاء الناس، وعدم خروجهم للتظاهر، باعتبار ذلك تعبيرا عن الرضا بما فعلته حكومتهم فيهم ! إنه زمانهم، فامرحي يا مهازل .. امرحي !