العصيان.. والاستجابة لنداء الجندي المجهول مصطفى أبو العزائم
ليس لدي أدنى شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات الاجتماعية – على السواء – باتا يشكلان أحد أكبر وأبرز المؤثرات في المجتمع.. ونقصد بذلك مجتمعي الداخل والخارج معاً، بل وأصبحت خدمة الشبكات الاجتماعية ونظيرتها وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة الجندي المجهول الذي يهدد استقرار الدول، بل يعمل على هز قناعات أهلها بركائز الأمن والاستقرار ويدخل إلى الشعوب من أخطر بابين هما الحرية والديمقراطية. عزا كثير من الناس نجاح ثورات الربيع العربي لتلك الوسائل الخدمية، والتي لم تكن في تقديري وتقدير كثيرين غيري أكثر من إعلان شهادة الوفاة الإلكترونية لتلك الأنظمة التي فقدت مقومات البقاء والاستقرار، بتسلط فئة دون بقية الفئات الاجتماعية الأخرى على إدارة شأن الدولة وأمور الحكم، وحدث تزاوج ما بين السلطة والمال والقوة المحتكرة لصالح تلك الفئة القليلة، في مقابل القهر والفقر والتهميش لمن هم في سفح جبل الحكم. تجربة العصيان المدني والدعوة له في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي يجب أن تكون درساً بالغ الدلالات لكل من الذين دعوا لذلك العصيان، وللمواطن السوداني الكريم المستهدف بالدعوة، وللحكومة بكامل مؤسساتها الوقوف عند تلك التجربة، فهي مهمة في مسار العمل السياسي، ومهمة للحاكم والمحكوم معاً، لأن قراءة بسيطة لمستوى تنفيذ خطة العصيان المدني أو الإضراب السياسي في الأيام المحددة له بثلاثة أيام، تكشف لنا عن نشاط زائد وخيال جامح في غدة العمل السياسي الداعي للتغيير بين دعاة العصيان المدني، وتكشف لنا في ذات الوقت عن ضعف الذاكرة الاستعادية الموجبة لدى الكثيرين ممن يريدون إسقاط الحكومة، مع قوة في الذاكرة الاستعادية السالبة لدى كثير من الناس، برزت أمامهم أحداث هبة سبتمبر قبل ثلاثة أعوام، وكيف كان حجم الضحايا والضحايا والنثار الناتج عن الحرائق والتخريب الذي قامت به أيد مجهولة لم تغسل آثار ذلك الفعل الآثم حتى الآن. في اليوم الأول انتعشت تلك الذاكرة، وخشيت بعض الأسر على أبنائها وبناتها فضعفت نسبة التردد على المدارس، رغم أن دولاب العمل الحكومي لم يتوقف، وحدث بعض التردد لدى العاملين في العمل الخاص والأسواق، ولكنهم وقبل أن ينتصف نهار اليوم الأول للعصيان المعلن – أي يوم 27 نوفمبر – كانوا قد باشروا أعمالهم، بينما نشطت كاميرات الهواتف الذكية في تصوير مشاهد ما قبل الحركة على اعتبار أن تلك هي البداية الناجحة للعصيان، ولكن خدمات الإمداد الكهربائي تواصلت وكذلك خدمات المياه، ولم تغير محطات خدمة السيارات من برنامج عملها، وكذلك الأفراد و(سوق الخضار).. فإذا كان الوضع بتلك الصورة التي ذكرنا والتي عاشها وشاهدها الملايين غيرنا، هل نستطيع أن نؤكد أو نجزم بأن العصيان قد نجح؟ قطعاً لا.. لأن العناصر المطلوبة للنجاح لم تتوفر. ننتقل إلى اليوم التالي، وهو ثاني أيام العصيان، وقد كان مفاجأة للداعين له لأن حركة الحياة عادت إلى طبيعتها ولم تظلل حركة الناس تلك السحابة من الخوف، وكان مفاجأة لبعض أهل الأحزاب والقوى السياسية الأخرى التي أرادت ركوب الموجة في حال نجاح العصيان رغم أن بعضها شريك في السلطة، فتحدث ناطقون باسمها وصدرت بيانات تحرض وتدعو للاستمرار في العصيان، الذي نرى أنه أدى رسالته بإيصالها إلى صندوق بريد الحكومة، وهي تحمل تنبيهاً بضرورة مواصلة برامج الإصلاح على كل المستويات. الآن ومع تجدد الدعوة للعصيان في التاسع عشر من هذا الشهر فإننا نرى ساسة ومعارضين أرادوا استغلال الشباب الغاضب، لتحقيق أهداف الجماعة المعارضة بإسقاط النظام والقفز على مقاعد الحكم والسلطة، لكن الشباب أوعى بكثير مما يظن قدامى الساسة لأن الكثيرين منهم ولأن الكثيرين من أبناء هذا الشعب يعلمون تماماً إنه إذا ما وقفت عجلة الحياة بفعل فاعل فإن ذلك يعني أن تدور عجلة الموت. اللهم أحفظنا وأحفظ بلادنا وأهلنا، وأهدنا سواء السبيل.. آمين. { و(جمعة) مباركة.