ترحيب واسع من القوى السياسية والدولية أعقب توقيع اتفاق التعاون المشترك بين دولتي السودان وجنوب السودان بأديس أبابا مؤخراً، واعتبره المراقبون تطوراً جوهرياً لحل القضايا الاقتصادية والأمنية البارزة بين الدولتين، غير أن أحداثاً متلاحقة وقعت في الساحتين السياسيتين في البلدين، ففي السودان وقوع هجوم على كادقلي، وشهدت الدولة الجديدة (جنوب السودان) أيضاً محاولة اغتيال رئيس دولة جنوب السودان "سلفاكير ميارديت" على يد أحد حراسه الشخصيين.. وهي أحداث عدها مراقبون محاولة للإخلال بالاستقرار الحالي بين البلدين. وقد اعتبر (المؤتمر الوطني) هذه الأحداث تأتي ضمن أجندة خفية لمن أسماهم تجار الحرب، لإفشال اتفاق التعاون المشترك بين السودان وجنوب السودان، وهو الاتفاق الذي حسبه مراقبون النقطة الأكثر تأثيراً في مجريات الأمور في مقبل الأيام، وربما جعل المجتمع الدولي يرفع سبابته بقوة في وجه من يقف عائقاً أمام رأب الصدع بين الجانبين. وكان مسؤول الإعلام بحزب المؤتمر الوطني "بدر الدين أحمد إبراهيم" قد صرح سابقاً بخصوص الحادثة الأخيرة بدولة الجنوب بقوله: (هذه المحاولة لن تؤثر في اتفاق التعاون المشترك بين الدولتين)، وحمّل رافضي الاتفاق المسؤولية، وأشار إلى أن الاتفاق تم برعاية إقليمية ودولية، لافتاً إلى أن تجار الحرب يخططون لإفشال اتفاق التعاون وعودة التوتر بين الشمال والجنوب، ولم يستبعد تكرار السيناريوهات والمحاولات الرامية لإجهاض الاتفاق سواء من قطاع الشمال أو الجهات الناقمة عليه بالجنوب، موضحا أن "خطوات إنزال الاتفاق على الأرض تسير بصورة طيبة. ورغم ردود فعل الجانبين في الدولتين، إلا أن الهواجس والظنون سكنت أخيلة بعض المحللين السياسيين وخشوا من تصدع الأوضاع مجدداً وعودة التوتر.. وعكست الندوة المقامة أمس الأول بقاعة الشهيد الزبير، التي نظمتها الجمعية السودانية للعلوم السياسية، عكست جدلاً تحليلياً لقراءة مستقبل الاتفاق الثنائي ومألأته.. وصدرت قراءات إيجابية للملف الاقتصادي، بينما أبدى البعض تحفظاًًعلى الملف الأمني والحريات الأربع. { اتفاق واختلاف ويرى المحلل سياسي د. "عبد العزيز" أن المؤتمر الوطني ما زال يقف وحيداً بوجه العواصف، والاتفاقية لم تنقله من مرحلة الخصومة إلى مرحلة الصداقة مع القوى السياسية الداخلية والقوى الدولية المهيمنة، وتحالف الحركة الشعبية ضد المشروع الإسلامي ما زال يراوح مكانه، بل إن أذرعهم امتدت لتؤثر في الحلفاء الدوليين، وأضحت تجربة الحركة الإسلامية والشعبية كشريكين متحالفين قادا السودان إلى الانفصال الخشن، وما زالت البيئة كما هي. وأضاف: التوقيع الذى أعقبته صيحات النصر كان تحت تهديد القرار (2046)، وتساءل منفعلاً: ماذا كسب السودان.. فك الارتباط من متطلبات نيفاشا ولا جديد.. والمنطقة العازلة أفقدت الحكومة السيادة على مناطق تمثل بؤرة الخلاف الأولى.. وقبول السودان انسحاب القوات المسلحة ووجود قوات أجنبية لم يحدد بقاؤها بفترة زمنية معينة يشير لنقطة خلاف مستقبلي. فيما خالف بروف "الطيب زين العابدين" رأي د. "عبد العزيز"، معتبراً أن بيئة الاتفاق ليست قاتمة كلياً، وإنما يضر بالسياسة السودانية عملها ب (رزق اليوم باليوم)، وقال إن الاتفاقيات ال (9) ليست جديدة وإنما جاءت على أكتاف نيفاشا وأبوجا. ثم اتفق مع د. "عبد العزيز" في أن المنطقة منزوعة السلاح تعتبر انتقاصاً لسيادة الدولة، ثم ذهب معاتباًَ سياسة الإنقاذ في عدم اهتمامها بتوحيد الجبهة الداخلية، مما خلق ضعفاً وهشاشة بالدولة. { القوة الناعمة وتحدث د. "صفوت صبحي فانوس" عن مفهوم القوة الناعمة في مستقبل العلاقات المشتركة بين الشمال والجنوب، وعرّف القوة الناعمة بأنها مفهوم إخضاع الآخر لك فقط لإعجابه بما تقدمه ودون شروط. وقال: على المستوى الاقتصادي فتح الحدود وإعادة تصدير النفط يصب في مصلحة الدولتين، والحريات الأربع بمناطق التمازج تخلق بيئة حقيقة من التعاون وتتيح للقوة الاقتصادية استخدام أدوات القوة الناعمة لخلق نفوذ داخل دولة الجنوب وعدم ترك هذة القوة لدول أخرى، وأضاف أن خلق مصالح داخل دولة الجنوب، وتبادل الخبرات في التعليم الفن الرياضة، جميعها أدوات للقوة الناعمة. { الاتفاق ودول الجوار ويشير د. "فانوس" إلى القبول المقلق من قبل بعض دول الجوار للاتفاقية، ويقول إن اثيوبيا مثلاً كانت ضد الانفصال، وذلك ليس رأفة بنا وإنما لخشيتها من أن يكون انفصال الجنوب دعوة لتمرد يعقبه انفصال داخلي بها، وأيضاً خوفاً على حدودها نتيجة لصراع الشمال والجنوب، أما دول الجوار الأخرى فتعمل بنظام (الحشاش يملأ شبكته)، لذا تصارعت هذه الدول لملء الفراغ بالجنوب بعد انفصاله عن الشمال، ونجحت بعض الدول من خلال النشاط التجاري والبنوك، بل إن اغلبية الدول بدأت تدرس فكرة مرور أنابيب بترول الجنوب بأرضها، إضافة إلى نظرة بعض دول الجوار للاتفاق بالشك والريبة والخوق من دعوة جديدة لانفتاح الثقافة الإسلامية العربية جنوبا. ويعتبر د.فانوس أن كل تلك الأسباب كفيلة لأن يكون اتفاق التعاون - رغم الترحيب الدولى به - محاطاً بالتوجس من بعض الدول، لأن نجاح الاتفاق يأتي على حساب مصالحها. { ضبابية في الجنوب! وكانت اشتباكات قد وقعت بين مجموعة وقوات من شرطة دولة الجنوب فى (جوبا) على خلفية احتجاجهم على ما أسموه بيع أراضيهم لحكومة الخرطوم مقابل البترول. وحسب شهود عيان فإن الشرطة أطلقت النار على المتظاهرين، بينما احتشد المئات أمام البرلمان الذي كان ينتظر وصول "سلفاكير" له. وكان "باقان أموم" قد ألقى خطاباً دافع فيه عن الاتفاق، وقال إن مسألة إدخال منطقة ميل 14 في المنطقة المنزوعة من السلاح لا يعني أبداً حسم النزاع حولها لصالح السودان. وينتقد أبناء أبيي في الجنوب حكومتهم لتوقيعها على اتفاقات نفطية مع الخرطوم وتقديم أسعار مجزية للنفط في الوقت الذي رفضت فيه الخرطوم القبول بشروط جوبا لتنظيم الاستفتاء الذي يؤهلهم لضم الإقليم المتنازع عليه للجنوب. وقال بروف "حسن الساعوري" إن الأجواء في الجنوب تبدو ضبابية، وهذا ما يبرز خلف الأحداث الأخيرة، وقال إن قيادات نافذة بالجنوب ترفض الاتفاق.. وهو الامر الذي يسفسر محاولة اغتيال سلفاكير، بالاضافة للاحتجاجات الأخيرة بجوبا. { مهددات ومخاوف وقال بروف "الطيب زين العابدين" إن الاتفاقية محفوفة بالمعوقات والتحديات، منها عدم مقدرة الشريكين على تنفيذها بجدية، متخوفاً من عودة الحال عقب نيفاشا من مشاكسات بين الحليفين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، إذ بدلاً من الشراكة كان كلاهما يحمل عداوة وعصاة من خلف ظهره.. ثم تأتي العقبة الثانية وهي الحركة الشعبية قطاع الشمال.. هل ستتمكن حكومة الجنوب من فك الارتباط معها؟ في حين يرى اللواء د. "محمد الياس" أن تامين الحدود من أخطر الأمور في العلاقات بين الدولتين، وعاب على الحكومة السودانية عدم وجود حلفاء مساندين لها، وقال: هذا من الأسباب التي ربما تجعل الحركة الشعبية تكسب الجولة. { رسالة للبرلمان واجمع المتحدثون بالندوة على أن اتفاق التعاون قد وافقت عليه جميع القوى السياسية، سوى بعض التحفظ من منبر السلام العادل على الحريات الأربع.. والآن وضعت الأوراق بمنضدة البرلمان.. وأوصى المتحدثون بإجازة الاتفاقية بصورة أحادية وليس ككتلة واحدة.. لأن إجازتها ككتلة قد يحسم بالأغلبية.. والأحرى إجازتها بعد تمحيص لتلافي الثغرات التي قد تنجم مستقبلاً.