** راكوبة الخريف لا تقي الناس من المطر .. ومهما اجتهدت في تلميع خشبها ودهن قشها وزخرفة حبالها ، تظل هي : الراكوبة ..نعم قد يسر منظرها الخارجي بعض الغافلين ، ولكن جوهرها بالداخل لا يسعد القاطنين ..هكذا راكوبة الخريف يا صديقي القارئ ..وكذلك أية سياسة اقتصادية لا تتخذ حياة العامة محور اهتمامها ومركز دورانها، يصبح حالها كما حال تلك الرواكيب التي تعريها قطرات الغيث وتزروها الرياح .. ثم قل بالله عليك سيدي : ما قيمة نهضة تنهض بفئة الي حيث علالي الثراء والرخاء ، تاركة عامة الناس في الدرك الأسفل من الضنك ورهق العيش كما حال أهل قضية اليوم ..؟.. اليكم : الحال ..!! ** فجأة وجد بعض الذين كانوا يعملون بالمؤسسة الفرعية للحفريات بود مدني ، وجدوا أنفسهم بلا عمل .. عددهم ينقص عن الألف ثلاثين..أحالتهم سياسة الهيكلة الي الشارع وهم في سن العطاء ..وطبعا الهيكلة في العرف الحكومي سياسة اقتصادية ناجحة تؤدي الي الغاء الوظائف وتشريد شاغليها .. فالتزم هذا الجمع بقرار تلك السياسة بيوتهم مكرهين ، حيث لا حيلة لهم ولاقوة لمصارعة الحكومة وسياستها المسماة بالاقتصادية .. التزموا بيوتهم وهم في حيرة من أمرهم و مصير أسرهم .. وفيما بعد طالبوا المؤسسة بحقوقهم التي ينص عليها قانون العمل ولوائح الخدمة العامة ، ولكن المؤسسة تلكأت في الاستجابة بوعد وآخر ، ثم رفضت ..!! ** أمام رفض المؤسسة ومطالب الحياة ، لم يجد اصحاب الحقوق حلا غير المقاضاة .. وهي سلوك حضاري ، حيث في قاعة العدالة تستبين الأشياء .. فحكمت لهم المحكمة بكل حقوقهم .. فاستأنفت المؤسسة الحكم .. وهذا حق مشروع ولاغبار عليه قانونيا .. ولكن محكمة الاستئناف رفضت استئنافها ، ثم حكمت للمرة الثانية لصالح هؤلاء المشردين ..ومع ذلك رفضت المؤسسة تنفيذ هذا الحكم أيضا ..وهذه ليست بدعة ، حيث في نهر النيل أيضا حكمت المحاكم لمواطنين انتزعت منهم أراضيهم لصالح مستثمر عربي ، ولكن حكومة الولاية رفضت ، ولا تزال ، تنفيذ احكام المحاكم ..وربما مؤسسة الحفريات تقتدي بهذه السابقة الغريبة.. حيث أحكام المحاكم كانت مطاعة في السودان ، وكان المواطن والحاكم سواسية في تنفيذها .. ولكن سابقة حكومة نهر النيل ثم مؤسسة الحفريات تشيران بوضوح لاشك فيه بأن الحكومة ليست بالضرورة أن تكون ملزمة بتنفيذ الأحكام التي طرفها الرعية ..وهذا مايحدث حاليا تجاه قضية عمال مؤسسة الحفريات ..!! ** المهم ، لم تنفذ المؤسسة حكم المحكمتين ، بحيث لم تسلم العمال حقوقهم المشروعة .. ولم تكتف برفض الحكم ، بل تمادت في اذلال العمال بارسال خطابات اخلاء بيوت الحكومة .. نعم هي بيوت حكومة ، وهي ذات الحكومة التي شردتهم ، وكذلك هي ذات الحكومة التي ترفض تسليمهم حقوق ما بعد التشريد التي نصها قانون العمل وأقرتها المحكمتان .. تحرمهم حقوقهم وتطردهم من بيوتها .. هكذا تفعل المؤسسة الحكومية .. رفعوا أمرهم لوالي الجزيرة السابق ، فاطلع على أوراق القضية وخاطب وزير الري مشكورا بعدم ملاحقة هؤلاء البسطاء قبل تسليمهم كامل حقوقهم .. المدهش أن وزير الري لم يكن يعلم بأن العاملين لم يستلموا حقوقهم من المؤسسة التابعة لوزارته ، فوجهها بعدم الملاحقة قبل تسليمهم لحقوقهم ..فتوقفت المؤسسة عن الملاحقة ..!! ** ثم عادت اليها بعد اقالة الوالي ، حيث الاثنين الفائت وزعت لهم الشرطة خطابات تنذرهم باخلاء المنازل خلال « 15 يوما فقط لاغير » .. لم يكن مع خطابات الانذارات صك مصرفي بقيمة حقوقهم ..بل اخلاء فقط ، بلا حقوق بلا كلام فارغ معاكم ، أو هكذا الحال ..والآن عليهم اخلاء البيوت خلال أسبوع من يومنا هذا ، حيث مضى اسبوع من عمر الانذار .. قد تسأل صديقي القارئ : ماذا حدث لحكم المحكمة التي حكمت لهم بالحقوق ..؟..ولماذا الاخلاء قبل استلام الحقوق ..؟.. الا تعلم الجهة التي ختمت ووقعت على انذارات الاخلاء بأن هؤلاء لهم حقوقا مشروعة بطرف الجهة التي تتبع لها البيوت ..؟.. هكذا تسأل ، وكلها أسئلة مشروعة ، ولكن للأسف كلها أسئلة فارغة وغير مجدية ، أو هكذا لسان حال الواقع حين يذل عباد الله البسطاء .. !! ** وعليه .. سيدي وزير الري ، دع عنك الحقوق التي تسعى لهضمها المؤسسة ، ودع عنك أحكام المحاكم التي ترفض تنفيذها المؤسسة .. دع هذه وتلك .. فقط أسأل مدير المؤسسة سؤالا فحواه : هل من الرحمة أن تطالب أسرة كريمة باخلاء المنزل بعد نصف شهر من بداية العام الدراسي ..؟.. ان كان ضنك الأب والأم بعد تشريدهما لايهمكم ، ألا يشغل بالكم احتمال تشريد ابنهما أو ابنتهما عن المدرسة التي تجاور البيت الذي هم منه مطرودين .. دع حقوق العاملين ، ان كانت قبل أو بعد اخلاء البيوت ، للحقوق رب يحميها .. فقط فكروا في مغبة تشريد أسر - أفقدتها سياسة الهيكلة مصدر دخلها - أثناء العام الدراسي .. فارحموا بالله عليكم صغارهم بعام دراسي مستقر .. هذا ما لم يكن قلب مؤسستكم خاليا من الرحمة ..!! إليكم - الصحافة –الاثنين 06/07/2009 العدد 5757 [email protected]