الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ونحن نتواصل مع الأعزاء القراء ويرزأنا القدر بين الفينة والأخرى بفقد عزيز لدينا ،ولكننا نقطّع أحزاننا في (مصاريننا) ،ونتواصل تواصلاً عادياً مع القراء لأننا لا نريد أن نحول هذه المساحة الى حائط مبكى للأحزان الخاصة كما أن القراء الكرام لديهم من الأحزان والأتراح ما يكفي، و هم يقبلون على الصحيفة من أجل القضايا العامة، ولكن عندما ترحل عن دنيانا شخصية عامة تركت بصمة خارج نطاق أسرتها ومجتمعها الصغير ،لابد من أن نتوقف عندها ونفحص مسيرتها ولو بالنذر اليسير توثيقاً لها عسى ولعل ان يكون في ذلك فرصة للتعرف على ماكنزيمات حركة الحياة في هذه البلاد. مناسبة هذه الرمية ،هي أننا بالأمس توقفنا عند رحيل العصامي السياسي الحاج مضوي محمد أحمد ،ونود اليوم أن نتوقف عند رحيل عصامي آخر سبق عمنا الحاج مضوي الى دنيا الخلود،ذلكم هو الحاج أحمد حسين البربري صاحب مطاعم الأسماك المعروفة باسمه في العاصمة وقد نعاه البعض واصفاً اياه بانه من أشهر طهاة الأسماك في السودان، ولكن الواقع يقول إنه قد بدأ طاهياً ولكنه تحول إلى رجل أعمال مشهور في طهي السمك اي حوّل حرفته الى مشروع إستثماري كبير، وفي هذا قصة نجاح تجعل الكتابة عنه تقع في الحيز الموضوعي العام. الحاج أحمد حسين البربري جاء من أقصى الشمال إلى العاصمة وركل العمل في الدولة كعامل سكة حديد، وافتتح مطعماً للأسماك بالخرطوم، وأصبح مطعمه قبلة لنجوم المجتمع من سياسيين، ورياضيين ،وفنانين ،ورجال أعمال ثم افتتح فرعاً ثانياً وثالثاً لا بل كان هناك تطوراً نوعياً خاصاً في فرعه الرئيسي بشارع البلدية(سانت جيمس ثم شيش كباب سابقاً) الذي أصبح منتدى للسياسة والرياضة والفن. ابتدع حاج أحمد خلطة خاصة تضاف للسمك بعد نظافته، وقبل أن يصل إلى (الطاجن) ليخرج بنكهة خاصة أصبحت ماركة مسجلة للبربري دون حاجة لشهادة ملكية من الملكية الفكرية ،ولعل روعة البربري في أن مطاعمه مطاعم شعبية أسعارها متواضعة جداً مقارنة بالمطاعم التي توصف بانها سياحية كمطاعم الفنادق، ومطاعم شارع المطار، والخرطوم اتنين فمطاعم البربري على شعبيتها يرتادها علية القوم وأثرياؤهم فتجد فيها الحرفيين الى جانب ذوي الياقات البيضاء ،الى جانب المليارد يرات فهي تعج (بالناس البسطاء الدوغري) و(الهبرو ملو) لوكانت ثقافة الإستثمار في بلادنا متقدمة لأصبح البربري هو ماكدولاند او كنتاكي السودان اي كانت فروعه غطت كل أركان العاصمة وكل مدن السودان ولتطورت عنده خدمات(التيك اوي) وخدمات (الديلفري) فالبربري شهرته قومية لان ملايين السودانيين تذوقوا أسماكه ولو لمرة واحدة في العمر ولكن للأسف ظل يعمل بامكانياته الذاتية فلم يتقدم له رجل أعمال كبير اوبنك لكي يستثمر في سمعته القومية بجعل ماكولاته قومية هي الأخرى إن حياة البربري عبارة عن قصة نجاح لشخصية عصامية من أصول ريفية اقتحمت المدينة واحتلت فيها موقعاً متقدماً وهي قصة نجاح لقادم من مجتمع تقليدي إستطاع أن يتوغل في المجتمع الحديث بما حباه الله من فطرة سليمة وكياسة لقد اكتشف الحاج أحمد المساحة الرمادية بين التقليدية والحداثة وتحرك فيها بنجاح 0 اللهم أغفر له وأرحمه وأسكنه فسيح جناتك وأجعل البركة في أبنائه الذين تربوا من الحلال الطيب(الساخن). صحيفة الرأي العام - حاطب ليل العدد(22693) بتاريخ10/7/2009) [email protected]