أظل دائمة البحث عن معنى الإحترام، وأحاول أن أضع له إطارا محددا ، لكني لم أستطع حصر هذا المعنى وتأطيره، فهو قيمة أعظم من أن تؤطر وتوضع في قالب ضيق صغير.. إلا أني خلصت إلى أن الإحترام كلمة بالغة المعنى والهدف والأثر .. بل أنها هي الصفة التي تميز بها سلوك الإنسان ككائن عاقل عن باقي الكائنات الحية الأخرى ، وهي تقدير لقيمة ما أو لشخص ما أو لشيء ما ، والإحترام ليس مجرد كلمة نتمشدق بها ، بل هي فعل أخلاقي وسلوك حضاري يعبر عن ذواتنا وقيمة الأشياء والأشخاص من حولنا ،، والإحترام سمة الإنسان المتحضر ومن ثمة يصبح سمة الشعوب المتحضرة ، وهو مطلب أساسي في التعامل بين الناس ، وبإنتفاء هذه القيمة الأخلاقية - الإحترام - يتحول الفرد ومن ثم المجتمع ليصبح فردا ومجتمعا همجيا لا قيمة له ! الإحترام مطلب فطري ،لأن الإنسان بطبيعته الفطرية وفطرته السوية يحب أن يقابل ويعامل بإحترام وإكرام ، وينفر من كل ماهو ضد كرامته،، فقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء:{ اللهم زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنا ، واعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا} إذا الإحترام يحفظ مقامات الناس فيما بينهم ويحفظ الحدود ويكفل الكرامة لكل فرد من أفراد المجتمع الواحد ،بل والمجتمع الكبير الشاسع الأطراف أيضا ، والإحترام ضرورة في التعامل بين شريحة من المجتمع وأخرى وهو ضرورة أيضا في التعامل بين الشعوب والقبائل والأمم ، وبه تنتظم العلاقات وتستمر وتأخذ أوضاعها المطلوبة ،والإحترام هو فعل أخلاقي يسمو به الفرد وبه تميز مجتمعنا الإسلامي عن سائر المجتمعات الأخرى ،فالمجتمع الإسلامي قام وتأسس على قيمة الإحترام ، فالعرب قبل الإسلام كانوا يتصفون ببعض الصفات التي أقرها الإسلام ، كالكرم وإحترام الصغير للكبير وإحترام المجالس وإقراء الضيف وإعانة المحتاج لهذا قال نبينا الكريم :{ إنما بُعثتُ لأتمِّم مكارم الأخلاق} وقد تأثَّر مضمون الإحترام عند العرب بصورة كبيرة بالدين الإسلامي ،إذ جعل ثقافة الإحترام مطلبا أساسيا في منهج الحياة اليومية وجزءا كبيرا من العبادات نفسها إذ قرن الله تعالى عبادته بإحترام الوالدين في قوله:[ وقضى ربُّك ألَّا تعبُدوا إلَّا إيَّاه وبالوالدين إحساناً إما يبلغنَّ عندك الكِبَرَ أحدُهُما أو كِلاهُما فلا تقُل لهُما أفٍ ولا تَنْهرهُما وقُلْ لهُما قوْلاً كَريماً وأخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُلِّ منْ الَّرحمةِ وقُلْ ربِّ ارْحمْهُما كمَا ربَّياني صَغيرا] سورة الإسراء آية 22 والإحترام في المفهوم الأسري هو تلك العلاقة المتينة التي تربط بين أفراد الأسرة الواحدة ،فإحترام الزوج لزوجته وإحترام الأبناء لوالديهما وإحترام الإخوة الكبار للصغار وإحترام الصغار لكبار السن من الجد والجدة كل ذلك يعتبر واجبا مقدسا سمى به المجتمع الإسلامي وتميز به ،، وتختلف مظاهر الإحترام من بلد لآخر تبعا لإختلاف وعمق هذه القيمة في عادات وتقاليد الشعوب ،، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم قول بليغ إذ قال:{ إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين} وهو يقصد هنا بالكتاب ،كتاب الله ألا وهو الدين (القيِّم) وكلمة قيِّم تعني : القِيَمْ والمُثُلْ والأخلاق الفاضلة التي بها يرتفع شأن أقوام وبتركها يحط شأن أقوام أخرى ، نستطيع أن نقول أن الإحترام هو المعيار والمقياس الذي به نستطيع تحديد قيمة شخص ما وبه تقاس نهضة الشعوب وحضاراتها . (بين الإحترام والحب) الحب وحده لا يكفي لإقناع شخص ما كي يحترمك ويستمع إلى وجهة نظرك ويقتنع بها ،،كما أن العلاقات لا تدوم ولا تنمو ولا تكبر ولا تنتج بالحب وحده إذا كان الإحترام مفقود ، وفي العلاقات التي تفتقد إلى الإحترام يقتل الحب ويهرب ويختنق بين المشاكل والخصومات الناتجة عن قلة الإحترام أو عدم وجوده . إحترام المرأة هو (فن) يجعل قلبها أسير وهو أساس كل علاقة ناجحة، وقد قال بيكو:"إحترام المرأة هو العلامة التي يُعرف بها الرجل الذي له قلب" ونستطيع أن نفهم من قول بيكو أن الإحترام علامة الحب ودليله ..وقال شيلدن:"المرأة تحترم الرجل لا خوفا منه بل إعجابا برجولته" وهذا القول ينفي ارتباط الإحترام بالخوف ويؤكد على أن حب المرأة للرجل ماهو إلا إفتتان بقيم الرجولة التي يعبر عنها الرجل من خلال إحترامه لها ،، وقال ميشليه:" لن يحظى بالحب والإحترام العاجز عن معاملة المرأة بالحسنى" . (كيف أستحوذ على إحترام الآخرين ؟) بوسع المرء أن يستحوذ على أحترام الآخرين دون أن يكون ذا مركز إجتماعي مرموق كأن يكون طبيبا أو وزيرا أو سفيرا أو غنيا ، بإمكان أي شخص الحصول على احترام الآخرين حينما يترك مالا يعنيه ويترفع عن سفاسف الأمور وصغائرها ،حينما يستمع أكثر مما يتكلم ،، حينما يحتفظ بأسراره الخاصة ولا يجعل من حياته الخاصة كتابا مفتوحا للآخرين ،، حينما لا يقلل من إنجازاته ويعتد بمنجزاته في تواضع ،، حينما يعتذر ويعترف بأخطائه بسرعة ولباقة ،، حينمالا يصر على التأثير في الآخرين بإثبات أن الحق دائما معه ،، حينما تتخذ قرارتك بنفسك ولا تلجأ إلى الآخرين لإتخاذ المواقف الخاصة بك ،، حينما تقدر قيمة الوقت ولا تتسكع ،، حينما تحتفظ بهدوءك وتبتعد عن الإنفعال العاطفي لأن ذلك يقلل من إحترامك ..حينها فقط نستطيع أن نطلق عليك لقب ( المحترم) .مع خالص إحترامي هنادي محمد عبد المجيد [email protected]