قرأت تقريرا لبيت خبرة عالمي متخصص في الشؤون المالية والاستثمارية يفيد بأن حجم الديون الخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي ستبلغ بنهاية العام الجاري (2013) أكثر من مليار دولار أمريكي،.. بالعربي الفصيح فإن هذه المليار هي القروض التي حصل عليها الأفراد من البنوك.. وبالتالي فإنني وبحكم العيش دهرا طويلا في منطقة الخليج أعرف العديد من هؤلاء المليارديرات، لأنني ألتقي بهم في المطاعم التي تبيع فطائر الجبن بالتبن وأكشاك الشاي «الكرك»، بمعنى أن هؤلاء المليارديرات أناس مثلي مثلك، لا تجد في سيماهم ولا مظهرهم أثرا للنعمة، لسبب بديهي وهو ان لقب ملياردير ينطبق عليهم ك«مجموعة» أما كأفراد فإن معظمهم يعيشون على الفول الذي قال عنه غازي القصيبي رحمه الله إنه قوت المفلسين، والبنوك صارت تفضل تقديم القروض للأفراد العاديين لأن معظمهم يحرص على سدادها ليحصل على المزيد منها، ولأنهم يرغمونهم على تقديم ضمانات تجعل استرداد الديون منهم ميسورا الى حدٍ ما.. وحقيقة الأمر هي ان الاقتراض شديد الإغراء: يكون في جيبك عشرة ريالات وتدخل أحد البنوك وتخرج منه وقد ضاق جيبك بالنقود واضطررت الى حمل بعضه في كيس.. والسداد على مدى سنتين او ثلاث او أربع، و... عيش يا حمار.. يمكن تفرج إذا أمطرت السماء ذهبا، ويمكن أموت قبل انقضاء مدة السداد وأهلي ما راح يقصرون، وحتى إذا عجزوا عن السداد، فعلى البنك ان يركب أعلى ما في خيله!! ماذا فعل الناس بتلك المليارات؟ أستطيع ان أخمن: بعضها استخدم في شراء سيارات، ففيروس الإنفاق التفاخري يجعل من لا تسمح له إمكانياته بشراء دراجة هوائية نقدا، باقتناء بي ام دبليو او لكزس او سيارة ذات دفع رباعي.. وهناك الإجازات، حيث بات الكثيرون يعتقدون ان السفر الى الخارج في الصيف «سنة مؤكدة»، (بينما قد لا يحفلون ب«الفروض» التي لا جدال حولها).. وفي الخارج لابد ان يتصرف الإنسان العربي بما يليق بسمعته كشخص غني «يلعب بالفلوس»، ويقول للجرسون: خلي الباقي معك.. حتى لو كان الباقي يساوي ربع راتب دافع البقشيش.. والمحزن ان مبلغا ضخما من تلك القروض يروح لإنعاش اقتصاديات دول معينة في آسيا تقدم بناتها ك«معالم سياحية».. وهناك من يقترض كي يتزوج، ويلجأ الشباب للاقتراض في سبيل الزواج، ليس بالضرورة لغلاء المهور ولكن لأن أهلهم يصرون على ان تكون الزيجة حديث المجالس، فيرهقون كاهل أبنائهم بنفقات مالية تتبخر خلال 48 ساعة: مجوهرات بالشنطة وحفلات في أفخر القاعات يتم فيها توفير طعام لمئات أو آلاف الأشخاص، (وقد لا ينجح المدعوون في تناول لقمة واحدة بعد ان تشتعل معركة بسبب قيام ضيفة باستخدام كاميرا هاتفها الجوال لرصد وقائع الحفل) ويتزوج اثنان بقرض مصرفي ويبقيان «مرهونين» لدى البنك، فتكون حياتهما الزوجية من بدايتها توترا وكرا وفرا.. وقد عانيت في بداية حياتي العملية من ذل الاقتراض المصرفي، ولم أذق طعم النوم الهانئ إلا بعد ان أقسمت ألا اقترض فلسا من أي مصرف، وتعلمت ان أمد رجلي على «قدر» لحافي، مع السعي لتطويل اللحاف تدريجيا، متذكرا الحكمة السودانية التي تقول «خالي من الدين غني»، بل وصرت أرفض بكل وقاحة أن أضمن شخصا ينوي الاقتراض من مصرف، بعد ان لسعت من ذلك الجحر مرتين.. وإذا كانت مواردك المالية محدودة فإني أنصحك بان تلقي ببطاقة الائتمان البلاستيكية في أقرب حفرة مجاري لأنها فخ للديون يقع فيه الناس وهم لا يشعرون. جعفر عباس [email protected]