:: الإمام أبوالفرج بن الجوزي، عليه رحمة الله، كان فقيهاً وبليغاً في الخطابة و الشعر..جاءه ذات يوم من عامة الناس رجلاً يشكي بحزن : ( يا شيخنا، لقد زنيت وحملت المرأة سفاحاً)، فأشفق الإمام على حال المولود المرتقب، ولذلك عاتب الرجل : ( هلا عزلت عنها حين وقعت بها لكي لاتحمل سفاحاً؟)، أي لماذا لم تستخدم عازلاً يجنبها الحمل؟.. رد الرجا بمنتهى الخشوع والإيمان : ( بلغني أن العزل مكروه )، فاستاء الإمام وصاح فيه غاضبا : ( قم عنا ياهذا، بلغك أن العزل مكروه ولم يبلغك أن الزنا حرام؟)..!! :: تلك من لطائف العلماء، وما يلي من لطائف ولاة السودان..بولاية نهر النيل، أجاز مجلسها التشريعي قانوناً للرفق بالحيوان، والمراد بهذا القانون - حسب تصريح رئيس دائرة الثروة الحيوانية والسمكية بالولاية - التأصيل بإعتبار أن رعاية الحيوان والرفق به (أمر رباني).. والقانون يمنع قتل الحيوان أو إيذائه أو تحريض الحيوانات لمقاتلة بعضها أو تركه مريضاً أو جائعاً أو استخدامه طعماً لاصطياد..( قانون ممتاز)، ونهنئ حيوانات نهر النيل ونأمل أن يثاب عليه ولاة الأمر هناك..الحمد لله، لقد بلغهم أن عدم الرفق بالحيوان ( حرام)، ونأمل أن يبلغهم بأن عدم الرفق بالإنسان ( حرام أيضاً)..بنهر النيل، على سبيل المثال، بلغ العجز في تأمين حياة الناس لحد قفز مغتصب على داخليات الطالبات بغرض الإغتصاب ثم الهروب بكل يسر..والأنذال لا يأتون بفعل كهذا - في مكان كذاك - ما لم يجدوا الظلام وغياب أفراد التأمين أو ( نومهم)..!! :: وعليه، قبل إجارة قانون الرفق بالحيوان، كان على سادة حكومة نهر النيل - ومجلسها التشريعي- الرفق بالطالبات أيضاً، وذلك بتنفيذ قانون الإهمال على المسؤولين عن تأمين حياة وأعراض الطالبات بالداخليات في تلك الليلة..وبنهر النيل أيضاً، على سبيل مثال آخر، منذ نصف عقد من يومنا هذا، الأهل بالمناصير في العراء يفترشون ظلم السلطة المركزية وتجاهل السلطة الولائية و قد بح صوتهم من تكرار المطالبة بحقوقهم المشروعة بعد أن ضحوا بموطن أجدادهم في سبيل كهرباء السودان..وعليه، قبل إجازة قانون الرفق بالحيوان، كان على مجلس حكومة نهر النيل أن يرفق بالمناصير ويسترد لهم حقوقهم المهضومة رغم أنف القرارات المركزية غير المعمول بها من قبل مراكز القوى النافذة.. نعم، الرفق بالحيوان (أمر رباني)، ولكن ماذا عن الرفق بالمناصير؟..أليس هذا النوع من الرفق ( برضو أمر رباني )..؟؟ :: وبنهر النيل أيضاً - وعلى سبيل مثال ثالث، وما أكثر نماذج البؤس بهذه الولاية - تقزمت كثافة السكان إلى ما دون المليون نسمة هروباً من تردي الخدمات وغيابها، ولعجز الحكومة عن خلق مناخ وفرص التوظيف والإنتاج والإستقرار للشباب..مصانع الغزل والنسيج التي صرف فيها الشعب دم قلبه - بشندي و قدو - محض أطلال تساهم جدرانها ومايكناتها ومعداتها في إستقرار الخفافيش نهاراً وتلاقح الزواحف ليلاً..والأرض ومياه النيل وسواعد الشباب تبعد عن أطلال المصانع ( فركة كعب)..أين الإرادة التي ترفق بمشاريع الإنتاج والإستقرار بنهر النيل؟..عفواً، تلك الإدارة لا يشغلها عن التفكير في مخاطر الفقر السكاني إلا التفكير في صياغة نصوص قانون الرفق بالحيوان..المهم، نؤيد القانون..ولكن، حال النهج الحاكم بنهر النيل وهو يحتفى بهذا القانون لايختلف كثيرا عن حال نهج أهل العراق قديماً.. نعم، أولئك أيضاً إستفتوا إبن عمر رضي الله عنه في خشوع عن ( دم البعوض)، في ذات السنة التي إستباحوا فيها دم الحسين عليه السلام ..!! الطاهر ساتي إليكم - صحيفة السوداني [email protected]