لقاء بعد الفراق .. يدمنون اقتفاء الأثر مثل هادي القوافل في صحاري الأمس, وحينما يفلس الخواجة بالطبع لن يتردد في فتح القديم من دفاتر الغرام, و ينبش في كل الأجندات المهترئة وشرائح الهاتف المتروكة مثل ساكنيها من أحبة لم يعودوا سوى أرقاماً منسية في ذاكرة تلك الرقاقة، يبحث عن مفاتيح جديدة لخطوط غدت باردة بالهجر بعدما كانت بالأمس متقدة بحرارة الاشتياق, فبعضهم من جيل اليوم الذي يعبر عن العلاقات العاطفية باعتبارها رسماً من مراسم الارتباط المشروعة فيحول (حالته) الأثيرية في صفحات التواصل الاجتماعي إلى (مرتبط), ويتحول مع مرور الوقت الى مجند مقيم في معسكر الحب ومدمن معتاد لا يتردد كلما افلست جيوب قلبه من علاقة عاطفية في ادارة مفاتيح الهاتف للأتصال بالأحبة الموضوعين عنده في خانة (اسبيرات) القلب, والجالسين على مقاعد الاحتياط. برأيي فإن تحويل الحب من مفهوم الى شكل.. و من عاطفة الى علاقة.. ثم تحويل تلك العلاقات من خانة (سري جداً) إلى معترف به رسمياً على الصفحات الأثيرية ليس سوى مظهر من مظاهر الإسفاف العاطفي, ليس على سبيل الإنكار لتلك المشاعر الإنسانية ولا المصادرة على اصحابها حقهم, ولكن دفاعاً عن السمو العاطفي في حياتنا, فهل يحق لنا اخراج الحب من مضمار العاطفة إلى سياق الممارسة حينما لايكون أكثر من مجرد حب؟, وان نجعل تلك العاطفة وحدها شكلاً من أشكال العلاقات الانسانية بينما العلاقات الانسانية يجب ان تنصب في قوالب صلبة ومحددة الشكل و يُنَص عليها في مواثيق مروسة بأقلام العهد والأمانة الانسانية و الالتزام, من أجل أن نحفظ للمحب حقه في المحبوب فلا يبقى قلبنا _ذلك الذي من أصابنا فيه أصابنا في مقتل_ معلقاً على ذمة (سوف) وهوى من نحب, ولكن على موثقٍ غليظ, مأخوذاً على ذمته باركه الله وشهد عليه الناس. ومع هذا .. نبحث عن جسور الوعد المعلقة في الخطر, نحب أن نقامر في بورصة العلاقات العاطفية, فلو كنت ممن قامروا بمقتلهم و رموا بِكُراتهم في ذات المجاز فلا ترضَ أبداً بمقاعد الاحتياط, لا تسمح لأحد أن يحولك إلى حبيب النقاهة الذي مفتاحه تسعة أرقام هاتفية وطواف على مقامات الماضي .. يرحل هو او ترحل هي وتبقى انت تلملم بقاياك, حتى اذا تماثلت للشفاء واخترت من سوف تمسك بيدهم عادوا يقتفون الأثر, إنها نقمة ذلك الهاتف وتبعات حضارة المشاعر وعولمة القلب, الذي صار قطاراً لأرقام وصور تستقله من محطات الأثير العابرة للقارات, حولته نقمة تورثنا أوجاعاً داخلية لأننا به نفتح ابوابنا لقطاع طرق القلوب و لصوص العاطفة.. و كلما عزفت جوقة ذلك الهاتف غنا حادي الأمل.. وهكذا صار ذيالك الهاتف ابن القلب كأنه متصل لا سلكياً بنبضاته ماضيها وحاضرها. وحينما اندثرت الرسائل المعطرة المطوية على سيقان الحمام الزاجل لتبقى نصاً بلا رائحة ولا لون ولا قطرات من دموع مالحة مذيبة للحبر .. تنام كشفرة مخزنة في احضان رقاقة الهاتف, كان ذلك نذير الشؤم العاطفي الذي حول القلب إلى (شريحة) حبلى بالأحبة الأرقام!, و الحب من عملة سرية ثمينة نحتاط عليها الى منتج استهلاكي قابل لإعادة التدوير. أرشيف الكاتبة ساندرا طه - صحيفة حكايات