بالتأكيد الوضع داخل الساحة الفنية اليوم لايحتاج للكثير من المفردات لتوضيحه، كما لايحتاج لحصيف ليعلم ماوصلت اليه الاغنية السودانية اليوم في عهدكان بريدك الحس المكوة) و(طاعني دائماً بي ورا)، وايضاً لسنا بحاجة على الاطلاق للبحث عن أي مبررات او اعذار لما وصل اليه الحال داخل الساحة الفنية التى باتت طاردة للمبدعين الحقيقين وجاذبة لدرجة مخيفة لانصاف المواهب ومطربي العلاقات العامة و(الايلام)، فكل الشواهد وكل الدلائل تقود لإستنتاج واحد وهو ان الساحة الفنية وبكل اسف وصلت اليوم لهذا الشكل المزري بسبب التخبط الكبير في الادارة لمقاليد الامور بداخلها وفي الانفلات الغير طبيعي لمعدلات الاتزان لبعض المطربين الوافدين حديثاً لها، والذين صار لهم قانون يسود بصورة غريبة وهو: (الصاعد هابط)..! واذا جئنا للحديث عن ادارة مقاليد الساحة الفنية واصطحاب الاجسام والهيئات المناط بها ترقية الفنون في البلاد، بداية بمجلس المهن الموسيقية والمصنفات الادبية واتحاد الفنانين واتحاد الشعراء (رد الله غربته) وبعض الكيانات الثقافية والفنية، فأننا بالتأكيد لن نعثر على أي انجاز طوال العام الماضي او أي ملمح ايجابي قامت به كل تلك المؤسسات والهيئات، فمجلس المهن الموسيقية الذى يترأسه علي مهدي لم ينجح حتى الان في اقناع الفنانين انفسهم بدوره، ناهيك ان يسهم في رتق ماتهتك من نسيج الوسط الفني، اما اتحاد الفنانين فحدث ولاحرج، فهو اتحاد شبه ميت اكلينيكياً و(مهدود) بالصراعات والحروب وتداخل المصالح، بينما يبقى تميز المصنفات الادبية والفنية في بعثها لتوضيحات حول مايكتب عنها دون ان تقدم أي خطوة فاعلة في التغيير المطلوب للساحة الفنية، ورجاء لاتحدثوني عن صلاحيات المصنفات ودورها المحصور في نقاط معينة، فهذا الحديث في حد ذاته شئ مخجل، وقد اشرنا من قبل الى ان المصنفات يمكنها مخاطبة الدولة عبر قنواتها الرسمية للمطالبة بالمزيد من الصلاحيات بحيث يمكنها ايقاف مد الاغنيات الهابطة عبر الترتيب لاجراءات تسجيل اجبارية لكل الاغنيات الجديدة، وسن عقوبات بالتعاون مع المجلس في حق أي فنان يردد أي اغنية غير مجازة من المصنفات، واظن ان هذا اقل مايمكن ان تقوم به تلك الهيئة، خصوصاً وهي تمتلك كوادر ذات قيمة وفكر عميق مثل الدكتورة هالة قاسم وغيرها. وفي وسط كل هذا التجاهل واللامبالاة التى تقوم بها الجهات الرسمية المناط بها ترقية الفنون والذوق العام في البلاد، كان من الطبيعي جداً ان تتكاثر (اميبيا الاغنيات الهابطة) وان تتناسل اغنيات (الدعارة) و(البؤس) لتصل الى درجات خطيرة جداً، وفنانة حواري تردد في حفل مناسبة نصب صيوانه بشارع عام: (بخت رأسي جنب رأسو...واتعطر بي انفاسو)..!!!...وكان من البديهي جداً ان يسارع عشرات الشباب الى امتهان مهنة الغناء طالما اصبحت بكل ذلك اليسر وبكل تلك السهولة، مما انتج جيلاً جديداً من الفنانين الشباب (الارزقية) والذين اقتحموا المجال الفني لتأمين مستقبلهم عبر العدادات والتى للاسف الشديد تذهب اليهم طائعة مختارة، وفي هذا اشارة اخرى نريد تسليط الضؤ عليها وهي الشرخ الكبير الذى حدث في الذوق العام السوداني، والذى جعل بعض الجمهور يتقبل مثل تلك الاغنيات بل ويفتح ابواب منزله (اوضتين وبرنده) لاستقبالها بكل برود..! والحديث عن الاوضاع في العام الجديد 2014 ربما لن تتغير مفرداتها عن كل ماذكر اعلاه، الا اذا استشعرت تلك الجهات بخطورة مايدور حولها، وبالوضع السئ جداً الذى وصلت اليه الساحة الفنية من رداءة وابتذال وانحطاط، ولن يتغير الوضع كذلك حتى تفهم تلك الجهات ان التغيير الحقيقي هو الذى يحدث فاعلية في سلوك المجتمع، وليس ذلك التغيير الذى ينادي به بعض الجالسين على مقاليد الامور بتلك الاتحادات من اجل الحفاظ على الكرسى وحسب. الموضوع اعزائي صعب جداً، يحتاج منا لتفعيل قرني استشعار الخطر، ولرفع درجة حساسية الانوف تجاه رائحة الكارثة القادمة، فالاغنية السودانية اليوم وكما يردد السياسيون (تمر بمنعطف خطير)، يحتاج من كل تلك الاتحادات للجلوس سوياً ووضع خطة ناجعة وسريعة وفاعلة لاعادة الاوضاع الى طبيعتها، وفتح نوافذ الظهور للمبدعين الحقيقين والذين تضآلوا بصورة تدعو للدهشة، بينما تكاثر (مغنواتية الهشم بشك) وصاروا اليوم هم (اسياد الجلد والرأس). ختاماً القراءة للوضع العام بالساحة الفنية في العام الجديد لاتحمل أي بشريات، فليس نيل المطالب بالتمنى، بل بالعمل والاجتهاد، والتخطيط السليم، ووضع القوانين الجديدة التى من شأنها الحفاظ على ماتبقى من (سمع نظيف) للجمهور السوداني والذى باتت نوافذ السمع الجيد والاصيل تغلق في وجهه كل صباح، بينما تفتح الف نافذة (هابطة) في اليوم الواحد. الشربكا يحلها - احمد دندش صحيفة الأهرام اليوم