ما لم تضطر أو تضطر "الأولى بفتح التاء والثانية بضمها" الغراء "الرأي العام" للاعتذار أو التوضيح أو الاثنين معاً اليوم أو غداً، عن المقولة العجيبة التي نقلتها أمس على لسان حسبو محمد عبد الرحمن نائب الرئيس، والتي مؤداها "انتهى عهد أكل المال العام"، ستكون الصحيفة مدينة لنا نحن قراؤها بتوضيح يزيل عنا الغموض والالتباس الذي سببته لنا هذه العبارة "المدغمسة"، ويبقى من حقنا عليها وفقاً لواحد من أهم واجبات العمل الصحفي "الشرح والتفسير" أن تجلي عنا حالة الارتباك و"اللخبطة" التي أوقعتنا فيها العبارة، فلم ندري بحسب منطوقها أي عهد غردوني هذا الذي كان فيه المال العام مباحاً ومستباحاً للآكلين مثلما استباح غردون الخرطوم، الذي يقول عنه النائب أنه قد انتهى الآن، هل هو عهد آخر حكومة ترأسها الصادق المهدي، أم أنه عهد نميري، أم تراه عهد عبود، أم أن عهد اباحة واستباحة المال العام يقع ضمن روزنامة عهد الانقاذ الممتد، واذا كان ذلك كذلك فكم من السنين يا رباه قد استغرقها هذا العهد اللئيم ومن هم لصوصه آكلي المال العام وما مقدار ما أكلوه مباحاً ومستباحاً لا إثم عليه، وإلى حين انجلاء الحقيقة كاملة، دعونا مع أيام كشف بعض الفتات من الفساد "أبو أدلة"، نقف قليلاً عند ما هو أخطر وأحرف وأعمق منه، ألا وهو الفساد "أبو من غير أدلة" .... للفساد كما هو معروف أوجه وضروب وفنون عديدة ولقبيلته خشوم بيوت وبطون وأفخاذ، أقلها شأناً وخطراً هو ما يستطيع أي مراجع مالي مبتديء كشفه، فمن فرط بساطته وغشامة مرتكبه هو أنه يترك دليلاً عليه وهذا هو "الفساد أبو أدلة"، ومن بعض عيناته الهينة ما يجري الحديث عنه حالياً، أما أخطر أنواع الفساد وأكثرها فتكاً بالمال العام ومقدرات البلاد هو ذاك غير المكتشف الذي لا تطاله يد المراجعة ولو طالته لن تجد دليلاً عليه وفق التعريف القانوني ل"الأدلة" وهذا هو الفساد "أبو من غير أدلة" قانونية وأوراق ثبوتية تذهب بمرتكبه إلى سوح القضاء، ولكن من حكمة الله ولطفه على عباده المساكين أن جعل له دلائل وإشارات وأمارات وعلامات أخرى تدل عليه، فالدنانير دائماً ما تأبى إلا أن تطل برأسها على قول الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذي إعتبر في القصة الشهيرة مع أحد عماله مجرد إطلال الدراهم والدنانير دليلاً يستوجب المحاسبة والسؤال، ولكن مشكلتنا هنا مع هذا النوع الخطير من الفساد أنك اذا أشرت إليه أمسك بحلقومك أحد النافذين والمتنفذين وتوعدك بالويل والثبور اذا ما تحدثت عن أي فساد بلا دليل أو برهان عليه، وقال لك إخرس وإخسأ ولا تبهت الطاهرين ولا ترمهم بغير دليل، وإن كانت لك أدلة موثقة قدمها والا "فلتنطم"، وهم طبعاً يعلمون إستحالة معرفتك بهذه الأدلة دعك عن الحصول عليها لأنها أصلاً متداولة بين المفسدين أنفسهم ويتعذر وصول سواهم اليها اللهم إلا إذا إختلف اللصوص أو إنتابت أحدهم صحوة ضمير وما أندرها. بشفافية - صحيفة التغيير حيدر المكاشفي