دعوني أبدأ من هناك.. لما أتيحت فرصة تاريخية لرجل من العالم الثالث ليخاطب مجلس الكونغرس الأمريكي في سابقة ﻻ تتكرر كثيرا.. وكان ذلك الرجل هو المفكر الإسلامي العالمي الدكتور حسن الترابي.. كان العالم كله يومئذٍ ﻻ يعرف سوى مدرستين حركيتين اثنتين إسلاميتين.. مدرسة محافظة يعنون لها بالدكتور الشيخ عمر عبدالرحمن.. وهي المدرسة التي اعتمدت في لحظة تاريخية ثقافة وفقه ضرب مصالح الغرب.. ومدرسة معتدلة تعتمد نهج الحوار مع الآخر.. ويعتبر السوداني الدكتور الترابي أحد عناوينها الناصعة و... و... لم يملك مجلس الكونغرس الأمريكي يومئذ إلا أن صفق طويلا للرجل الذي حدثهم بلغة انجليزية بليغة.. ثم انقسم المجلس على نفسه بعد خطاب الرجل.. فمنهم من قال إن الترابي يحمل نسخة إسلامية منفتحة يجب تشجيعها والتعامل معها.. على أنها أرحم ألف مرة من النسخة التي يحملها الدكتور عمر عبدالرحمن التي تعتمد فقه التكفير والتفجير.. وفريق آخر قال بخطورة هذا الخطاب الذي يحمله الترابي كونه ينطوي على آليات إقناع قوية.. فضلا عن أن الرجل يخاطب الغرب بلغته ويعترف بآلياته الديمقراطية في التداول السلمي للحكم.. فخلص أمرهم إلى أن هذا الرجل يحمل خطابا وفكرا من الخطورة بمكان.. فهذا الترابي يجب ألا يبقى على قيد الحياة على أن يرحل وبأسرع فرصة وأدهى وسيلة وحيلة.. فدبروا له حادثة (أتوا) الكندية ليغتال بأيد سودانية.. وكما تابع العالم كله تلك الحادثة المخزية، فكتب الله له النجاة و.. و.. أتصور أن هذا هو المدخل المنطقي لقراءة ظاهرة بروز التيار السلفي التكفيري.. الذي انتهى إلى ما يسمى بالدولة الإسلامية التي تشن الآن حربا شعواء على المسلمين قبل الكافرين.. ويمكن في هذه الحالة التواضع على حقيقة أن المنشأ التاريخي لهذه الحركات الجهادية هو حركة الإخوان المسلمين.. لكن ثمة سؤال في غاية الأهمية بهذا السياق.. لماذا يتحول الإسلاميون الديمقراطيون في كل مرة من ممارسة ثقافة (صندوق الانتخابات) إلى أتون (صندوق الذخيرة)!!؟ والإجابة في غاية اليسر وأيضا غاية الأهمية.. وببساطة هي لأن الآخرين الذين يدينون بهذه الديمقراطية هم أول من يكفر بها حال أتت بالإسلاميين.. وقائمة الشواهد طويلة جدا من لدن الإسلاميين الجزائريين مرورا بحركة حماس في فلسطين وصوﻻ إلى الانقلابيين المصريين بزعامة الجنرال السيسي و... و... وتغنيني جدا هذه النماذج الانقلابية الشرقية ولا احتاج أن استدعي نماذج من الغرب.. وهنا بإمكانكم أن تستوعبوا لماذا وقفت واشنطن في بادئ الأمر ضد عمليات الانقلاب على الإخوان المصريين.. فلعمري ليس هذا إيماناً بالديمقراطية ولكن لمعرفتها اليقينية بأنه كلما ضاق الآخرون بشرعية الإسلاميين الديمقراطية وضيقوا عليهم وأخذوهم من منابر شرعيتهم إلى السجون.. كلما في المقابل ازدهرت الحركات الجهادية التي تكفر بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.. أما لماذا تبدأ هذه الحركات الجهادية التكفيرية بالنظم العربية الإسلامية.؟ أنها هي التي انقلبت على شرعيتها بل وعلى شريعتها.. وبهذا وحده تصبح النظم والنخب الليبرالية واليسارية والعلمانية العربية المتطرفة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن صناعة التطرف اإسلامي.. فضلا عن الجور الغربي والصهيوني في القضية الفلسطينية وقضايا المسلمين.!! وبتقدير مؤسسة الملاذات الجناح الفكري.. فلئن اجتمع الغرب والشرق كلهم لهزيمة ما يسمونه بالحركات الجهادية السلفية.. لن ينجحوا في ذلك إلا باحترام قيمة العدل واحترام خيارات الشعوب.. فكثير من المسلمين في ظل هذا التطفيف والاستخفاف والتضييق قد انتهوا إلى أدبيات.. السيف أصدق إنباءً من الكتب.. في حده الحد بين الجد واللعب. !! تصبحون على خير.. أبشر الماحي الصائم ملاذات آمنه - صحيفة اليوم التالي [email protected]