والأستاذ علي عثمان محمد طه يتجه الآن إلى مكتب أمين المجلس الوطني بديلاً للفاتح عز الدين. وضخامة شخصية الأستاذ علي عثمان تصبح إشارة لضخامة العزم على تغيير ضخم في السياسات. وغندور وغازي صلاح الدين وأحمد إبراهيم الطاهر وحسن مكي وغيرهم كلهم يتزاحمون في كتابات مطولة وأحاديث يقطر منها الدم «دم الجراحة على الأقل» في يومين اثنين الأحد والإثنين الماضيين. في شعور آخر بالأزمة ويتناطحون. وعراك الأفيال ينظر إليه الدارسون ليجدوا أنه : في التاريخ كله.. الثورات يأتي بها اثنان.. قائد ومفكر.. ثم يفترقان. وفي العالم الإسلامي يشهد حديث و«تجربة» أن السلطان والقرآن سوف يفترقان. ويشهد منازعات العلماء والحكام. وفي العالم الشيوعي تجربة تروتسكي وستالين.. وهذا يقتل هذا. والسودان البشير والترابي. وهذا يبعد هذا. لكن السودان يتميز بشيء. «2» وحسن مكي في قوله كله يمشي بين بردين.. ثفافته الواسعة وثقته في أنه فوق الشبهات.. لهذا فهو ينجب الفرائد حين يخطئ.. وحين يصيب. لكن الأشياء في السودان لها تفردها أيضاً. ففي السياسة المفكر عندنا والقائد يختلفان حين يذهب المفكر ليصبح هو القائد.. «ومشهور أن الترابي كان يفعل كل شيء ليقود». وفي الثقافة المثقف حسن مكي حين يقول يوماً لدكتور الترابي : لماذا لا نعترف بإسرائيل. ينظر إليه الترابي ساخراً ويقول ببلاغته اللاذعة : ماذا تقول يا «خيش» مكي.. يبدل كلمة شيخ بكلمة خيش. وآراء حسن عن إسرائيل وغيرها لا يسبقه إليها أحد. وحسن يقول وغندور يقول وغازي يقول.. وغيرهم لكن. أقوال المفكرين وأقوال «الظرف» الآن أشياء تجعل الإسلاميين يتحولون من قراءة «المواقف والإشارات» للإمام «النفري» إلى قراءة «المواقف والإشارات» التي يصنعها الاختناق الآن. ومن الإشارات.. تشابه حريق العراق بحريق السودان والتقسيم هناك.. تقسيم البلاد.. هناك.. إلى تقسيم يقترب هنا. ومن الإشارات إشارات تذهب إلى استخدام حقيقة أن الخرطوم مشحونة بالسلاح. والشعور بالخطر يجعل الجهات الأمنية تتردد بين الحرية المطلقة والاختناق المطلق والأمور المتشابهات هناك التي لا يعلمها كثير من الإعلاميين والناس تصنع الطرائف. فهي توقف «الصيحة» ثم تطلقها ثم تعيد إغلاقها بعد يوم.. وهي تطلق محاكمة الأقطان وغيرها ثم تؤجلها إلى أجل غير مسمى. ومن الإشارات النظر إلى حرائق مصر الآن تحت الضائقة الاقتصادية ومشهد الحرائق والقتال في شوارع القاهرة يتساءل. ترى ما الذي كان الإعلام المصري وتلفزيوناته تقول لو كانت الحرائق هذه والاختناق الاقتصادي الذي يرفع أسعار الوقود إلى ثلاثة أضعافها.. شيئاً يجري في السودان. وصحافة مصر من فوق الحائط: تنظر شامتة. لكن حوار الأسبوع هذا.. وكله بين القادة الإسلاميين.. يقول شيئاً أكثر مرارة. وينفرد بشيء.. شيء آخر مع العنف والصراخ. «3» وفي الحوار غندور يحلف بالطلاق وبالعتاق أننا بخير. «وأننا لو كنا نسعى لاحتكار السلطة لكنا أول المناهضين لتغيير قانون الانتخابات. نحن نريد أن تشارك الأحزاب معنا.. هكذا قال. لكنه وفي الحوار يقول غازي عن هذا «نعم.. اشتراك الأحزاب لتخفيف الخناق على الوطني» وغازي ما يقوده ليس هو البراءة، فالرجل يطعن «قادة» الوطني من تحت العباءة وغازي يمدح القاعدة ليجعلها شاهداً على أن «قرارات الوطني قرارات قيادة معزولة عن القاعدة». غازي الذي يتحدث نهار الأحد يجيب غندور الذي تحدث صباح الإثنين. ليذهب حسن مكي بعدها بيوم إلى شهادات عنيفة تشهد لحقيقة أن قيادة الوطني معزولة عن قاعدتها وأنها لهذا تتخبط. مكي يقول أنا أيام نيفاشا كان هو.. حسن.. يقدم اقتراحاً يجعل انفصال نفط الجنوب هبوطاً ناعماً لكن قيادة الوطني ترفض وتجعل من الهبوط.. سقوطاً.. مثال من أمثلة لا تنتهي. «4» وشهود ضخام إذن.. وشواهد وأقوال.. كل جملة فيها تشعل أو يجب أن تشعل.. حواراً يقول لقادة الوطني وغيرهم : قف. ولعل الوطني هو الذي يقولها الآن بالفعل وهو يرسل علي عثمان لقيادة المجلس الوطني. القيادة هذه يصبح لها معناها وغازي يقول «أرى أن عضوية البرلمان الحالية نوعية مميزة ولديها الرغبة في ممارسة برلمانية حقيقية» عضوية إذن مثل هذه بقيادة شخصية مثل علي عثمان أشياء تستطيع أن «تتخطى» قيادة الوطني. و.. قيادة الوطني التي تكسر عنقها حين ترفض أن تنظر إلى الأفق. الأمر الآن ينفجر ويتخطاها بالفعل. وحوار المثقفين شيء لا يطيقه أمثالنا.. لكننا نشعر بالبهجة.. فهم على الأقل يتحاورون بطريقة ود الرواسي في رواية الطيب صالح. : ود الرواسي يقول لخصمه: يا ابن الكلب.. ويلطم هامته بالعكاز.. لكنه يهدأ ثم يعانقه و... صحيفة الإنتباهة