تعتبر عملية (بوما) لتخليص رهائن أجانب أمريكيين وكندي وألماني وهولندي وعددهم خمسة في العام 1983م، من أنجح عمليات تخليص الرهائن في العالم عن طريق الاقتحام الرأسي. وكان ينبغي تدريس كيف تم التخطيط والتنفيذ لهذه العملية (الجو برية) وهذه العملية تعتبر العملية الثانية الناجحة في العالم لتخليص رهائن عن طريق الاقتحام الجوي بعد عملية (عنتبي) التي قامت بها إسرائيل مع ملاحظة فارق الإمكانيات. كانت الظروف السائدة في ذلك الوقت من العام 1983م، أن حركة التمرد كانت ما تزال في بداياتها بعد تمرد الكتيبة (105) وانضمام العقيد جون قرنق لحركة التمرد وكانت القوات المسلحة في ذلك الوقت شأنها شأن قوى الدول الأخرى، تحصل على كثير من المعونات من العالم الغربي في شكل منح وهبات وإعانات حيث تلاحظ ذلك من أنواع الطائرات التي اشتركت في هذه العملية. هذا الدعم الخارجي الواضح خصوصاً وأن الشريعة الإسلامية لم تكن قد طبقت بعد تاريخ تطبيق قوانين سبتمر 1983م والعملية كانت في يوليو وهذا يدحض ادعاء الحركة أنها قامت ضد الشريعة الإسلامية، حيث أنها أعلنت عن نفسها في 15 مايو 1983م بدعم من إثيوبيا الشيوعية في ذلك الوقت، كجزء من الحرب الباردة، دخل فيها السودان وإثيوبيا بالوكالة عن العملاقين أمريكا وروسيا في ذلك الوقت كإحدى بؤر التوتر بين القطبين. ومنطقة (جبل بوما) من أجمل المناطق السياحية في العالم، فهو يطل على الأخدود الأفريقي العظيم والطقس غائم طوال العام وفي سفح الجبل توجد أكبر حظيرة حيوانات وحشية طبيعية في العالم تعيش فيها جميع حيوانات الغابة الاستوائية، ما جعل الأوربيين يبنون مركزاً لأبحاث الحيوانات الوحشية ومطاراً صغيرا يبلغ طوله 250 مترا في أعلى الجبل، بينما يقيم مستر (جو هاشيل) الأمريكي الجنسية في سطح الجبل هو وزوجته حيث بنى منزلاً صغيراً ومهمته هي التبشير والطب وهو يقيم في ذلك المكان منذ ثلاث سنوات ويبلغ ارتفاع الجبل حوالي 5000 قدم، وفي يوم 30/6 هبطت في المطار الصغير طائرة (ف 60) اضطرارياً لنفاذ الوقود وكان يقودها المقدم طيار الرشيد محجوب، ولفت أنظار حركة الخوارج التي كانت في بداياتها في يوم 27/6 قام العميد شهيد طيار عثمان عبد الرسول الضو بالإقلاع بالطائرة (ف 60) من ذلك المهبط لإحساسه بقرب الهجوم على مكان الطائرة، وقد حدث في اليوم التالي مباشرة، حيث هجم المتمردون يوم 28/6/1983م على المنطقة ولم يجدوا الطائرة، لكنهم اعتقلوا الأجانب الخمسة الموجودين. بدأت المفاوضات مع حركة التمرد، وفي نفس الوقت كان التخطيط يجري في غرفة عمليات قيادة الفرقة الأولى بمدينة جوبا، حيث كان رئيس شعبة العمليات العقيد عصام ميرغني مع قيادة (المفارز) الجوية بطائراتها العسكرية المتنوعة، وبعد عمل تقدير موقف ومناقشة الخطط البديلة، تم الاتفاق على عملية اقتحام رأسي بطائرات (الهل) لتحرير الرهائن واستعادة المنطقة. تمت الموافقة على الخطة بواسطة القيادة العامة، على أن يتم التنفيذ في أول يوم 8/7/1983م. وتم اختيار (كبويتا) كمركز قيادة متقدم، بينما تم اختيار منطقة التحميل أو منطقة الدفع للاشتباك، منطقة (وادي كارون) التي تبعد 50 كلم شمال بوما. وفي يوم 6/7 تم نقل مقدمة القوات في كبويتا، ومنها إنزالهم بواسطة طائرة (بفلو) في مهبط صغير بمنطقة كارون، واكتملت القوة بسرية قوات خاصة وسبع طائرات (هل)، ويقود القوة الجوية العقيد طيار (عبد الوهاب جباي)، بينما كان يقود العملية من منطقة كارون، العقيد عصام ميرغني طه. في مساء الأربعاء، اتصلت القيادة العامة بقيادة المنطقة تطلب تأجيل العملية ويبدو أن السفارة الأمريكية لم تكن تثق في مقدرة القوات المسلحة في تنفيذ العملية، ولم تخفِ قلقها على رعاياها. وفي صباح يوم تنفيذ العملية، وصلت تعليمات للعقيد عصام بإلغاءها، ولكنه أغلق الجهاز ونفذ العملية! كان من المفروض أن يتم التنفيذ في الخامسة صباحاً يوم 8 يوليو، إلا أن التنفيذ تأجل لساعتين بسبب الطقس، وأقلعت طائرات (البو 105) أولاً، تلتها طائرتا (البيوما) برشاشات، وفي نفس الوقت تم إنزال مقدمة القوة التي هجمت على مكان وجود الرهائن بمنزل الطبيب الأمريكي، واستشهد أحد أفراد القوة، وهو الشهيد الوحيد في هذه العملية. هبطت بعد ذلك طائرات (البل 313) تحمل بقية القوة وتبعتها طائرة (البفلو)، وفي منتصف النهار، عادت (البفلو) تحمل باقي الكتيبة وتم إعطاء التمام لقائد المنطقة اللواء صديق البنا، بنجاح العملية وتحرير الرهائن الخمسة في قمة الجبل في تمام الساعة الواحدة نهاراً يوم الثامن من أغسطس، يوم (عملية بوما). عميد طيار ركن: صلاح عبد الخالق سعيد- حكايات