كم نحن سعداء بالانتصارات التي حققتها قواتنا المسلحة وقوات الدعم السريع وليس أحق بالتهنئة من أولئك الرجال الذين يخوضون معارك العزة والشرف والكرامة بين الجبال والوديان والأحراش في هذا الزمهرير القاسي ليوفروا لنا ولأطفالنا الأمن والأمان والعيش الهانئ بعيداً عن شرور الحرب وويلاتها. لن نخلط الأوراق..لا ورب الكعبة.. بل نفرق بينها ونوازن ونسدد ونقارب ولن يدفعنا حرصنا على إزالة الاحتقان السياسي وإصلاح الأوضاع في السودان وإقامة الحكم الراشد ومطالبة المؤتمر الوطني بسداد فاتورة تلك المطلوبات من خلال الاستجابة لأجندة الحوار الوطني وخريطة الطريق..أقول لن يدفعنا ذلك إلى الاستقواء بالحركات المتمردة التي تخوض الحرب ضد قواتنا المسلحة، فلطالما طالبنا بحسم التمرد في ميادين القتال حتى يذعنوا للسلام ويتخلوا عن أحلامهم المستحيلة ومشروعهم الإقصائي المدعوم من قوى أجنبية لا تريد خيراً لهذه البلاد. لم نتعاطف في يوم من الأيام مع عرمان وزمرته من المتمردين الذين عطلوا مسيرة هذه البلاد لخدمة أجندتهم الشريرة التي كانوا ولا يزالون يسعون إلى تحقيقها بالصعود على جماجم ودماء أبناء جبال النوبة ودارفور بينما ينعم أبناؤهم الذين من أصلابهم بحياة مترفة ونعيم مقيم في فنادق أوربا وأمريكا. فقد شهدنا كيف حاولت قوات التمرد غزو أم درمان بأطفال مجبرين على الحرب رأينا صورهم بين الأسرى بينما كان أطفال لوردات تلك الحرب المجنونة يدرسون في جامعة الخرطوم ومدارس السودان فعن أي قضية يقاتل هؤلاء وعن أي هم وطني يتحدث عبد الواحد محمد نور مثلاً وهو يتنقل بين عواصمباريس وتل أبيب وكمبالا على مقاعد الدرجة الأولى ويقيم في فنادق الخمسة نجوم بينما لم يزر منذ سنوات دارفور التي يتاجر باسم أهلها المشردين في معسكرات اللجوء في انتظار إغاثات منظمات الإذلال المتاجِرة هي كذلك بمعاناة هؤلاء البؤساء؟! إن أكثر ما نخشاه أن يكون المؤتمر الوطني معولاً على ما تحقق من انتصارات في ميدان القتال مما دعاه إلى ركل الحوار الوطني بكل مستحقاته بما في ذلك خريطة الطريق واتفاق أديس أبابا وجعله يمضي في إنفاذ أجندته الحزبية التي تتضمن إجراء الانتخابات وإجازة التعديلات الدستورية بعيداً عن محاوريه الذين ما انخرطوا في الحوار من البداية إلا من أجل الاتفاق حول هذه القضايا وغيرها من الأجندة الوطنية. إن كان المؤتمر الوطني قد عول على ما أنجزته القوات المسلحة في ميادين القتال وهو يخرق خريطة الطريق المتفق عليها فإنه بالقطع يكون قد كرّر أخطاءه السابقة ولم يستفد من ربع قرن من التجارب الكارثية التي لم يدفع ثمنها هو وقياداته إنما دفع ثمنها هذا الوطن المأزوم وشعبه الصابر المحتسب ذلك أنه من مصلحة الوطني أن يفاوض وهو في مركز قوة وأن يستجيب لمطلوبات الحوار التي وافق عليها فهو في حاجة إلى إنقاذ سمعته التي تلطخت بتماديه في نقض العهود والمواثيق وأهم من ذلك هو في أشد الحاجة إلى جمع الصف الوطني وإعمال قيم التسامي على الخلافات في سبيل تحقيق التراضي الذي سعى إليه الرئيس عندما ابتدر نداء الوثبة. آن لبلادنا هذه الغارقة في مستنقع الحروب والاحتقان والصراع الذي ذاقت من مراراته وعانت من أوجاعه وتمرغت في رمضائه طويلاً مما جعلها ترزح في أتون التخلف والاضطراب السياسي والاقتصادي وتقبع في مؤخرة الأمم..آن لها أن تستقر وتبتدر مرحلة سياسية جديدة تنعم خلالها بوفاق وطني يتراضى فيه الجميع بمن فيهم حملة السلاح حتى ولو كان بينهم عرمان، على المسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة. لا يزال الأمر بيد الرئيس إن أراد أن يجمع هذه البلاد على كلمة سواء يستعصم فيها بالتسامي على الصغائر فوالله الذي لا إله إلا هو لا يوجد ما يجعل الوطني المستحوذ على السلطة والثروة والمهيمن على البلاد ردحًا من الزمان..لا يوجد ما يخشى منه على سلطته أو يجعله يتعنت ويعاند سيما وأن الضعف ينخر في صفوف كل القوى السياسية المعارضة بل والمتحالفة معه والتي تسبب نظام الإنقاذ في إنهاكها وإضعافها وتمزيقها وإفقارها فهلاّ استجاب لنصح الناصحين قبل فوات الأوان إنقاذاً لهذه البلاد مما يتهددها من أخطار وتطبيعاً لعلاقاتها مع العالم قبل ذلك وجمعاً لهذا الشعب وقواه السياسية على مائدة التراضي حتى تستقر بلادنا وتنعم بمناخ ملائم ينهض بها ويقودها نحو التقدم والازدهار والعيش الكريم؟