البرلمان يطالب باستيراد الغاز من مصر.. هكذا حدثتنا بعض صحف الخرطوم على لسان قيادي بارز في البرلمان.. ما شاء الله.. أولم يسمع برلمان الهنا أن مصر تعيش أزمة غاز هي الأسوأ طيلة الحقب الماضية، وأن المواطن المصري يضطر أحياناً إلى شراء أسطوانة الغاز بمبلغ مائة وخمسين جنيهاً، في حين سعرها الرسمي أربعة وعشرون جنيهاً فقط.. لا أعلم من أين يأتي هؤلاء المسؤولون بهذه الحلول العبقرية.. إن كان الرجل يقصد أن مصر تتمتع بإنتاج وفير من الغاز للحد الذي جعلها أكبر مصدر له لإسرائيل في عهد مبارك، فإن مصر نفسها الآن تتجه إلى استيراد ذات السلعة لسد العجز، وهذه المعلومات متاحة ومتوفرة في أجهزة الإعلام المصرية، من صحف وقنوات فضائية.. ويبدو أن العضو المحترم لم يشاهد صفوف المواطنين وزحامهم للحصول على أنبوبة الغاز، بل حتى لم يطلع على نكاتهم على “الواتساب” المتعلقة بأزمة الغاز. بابكر محمد توم دعا إلى توقيع اتفاق طويل المدى مع مصر لاستيراد الغاز.. وقال مصر تستورد منَّا اللحوم، وبدل نستورد منها العدة والحلويات مفروض نجيب غاز.. نعم كلام الدكتور بابكر صحيح، حيث إن السودان يهدر أموالاً ضخمة ويستنزف دولارات كثيرة في استيراد سلع هامشية من مصر.. سلع لا نستفيد منها في الإنتاج الزراعي ولا الصناعي، وإنما سلع استهلاكية لا تعود بفوائد على البلاد.. ليس هناك مشكلة في البحث عن دولة يمكن أن نستورد منها الغاز، لا مصر ولا غيرها، طالما أنه لا يوجد شح في السلعة في السوق العالمي وبأسعار ضعيفة مع انخفاض أسعار النفط.. صحيح توجد مؤشرات بارتفاع النفط مع اشتعال عاصفة الحزم، لكن ما أحب توضيحه أن المشكلة ليست من أين نستورد، وإنما المشكلة تتمثل في جانبين هما: عدم توافر موارد النقد الأجنبي لاستيراد الغاز في الوقت المناسب، قبل أن تفرغ المستودعات نهائياً وتحدث الأزمة. والجانب الثاني، وهو الأهم، يوجد سوء في آلية توزيع الغاز في البلاد، وقد ذكرت ذلك في الأزمة الماضية، وهناك العديد من البدائل لو نظرنا إلى الطريقة التي تنتهجها كثير من الدول في توزيع سلعة الغاز.. فهناك من الدول مثل تايلاند والهند يباع الغاز فيها في عبوات مثل “البف باف”، تُركب على “البوتجاز” وعندما تفرغ الأسطوانة تُرمى مع النفايات، وهي طريقة غير مكلفة مثل المواسير وغيرها. إذا أرادت الحكومة فك الاحتكار وانتهاء أزمة الغاز، فمن الأفضل أن تفك أولاً طريقة التوزيع الحالية، فهي بلا شك طريقة متخلفة يتحكم فيها الوكلاء.