شاهد بالصورة.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل تسابيح خاطر تنشر صورة حديثة وتسير على درب زوجها وتغلق باب التعليقات: (لا أرىَ كأسك إلا مِن نصيبي)    شاهد بالفيديو.. الفنان الدولي يدخل في وصلة رقص مثيرة مع الممثلة هديل تحت أنظار زوجها "كابوكي"    شاهد بالفيديو.. الفنانة مروة الدولية تعود لإثارة الجدل..تحضن زوجها وتدخل معه في وصلة رقص رومانسية وهي تغني: (حقي براي وملكي براي بقتل فيه وبضارب فيه)    إنتر ميلان يطيح ببرشلونة ويصل نهائي دوري أبطال أوروبا    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    فرفور الجيش    برئاسة الفريق أول الركن البرهان – مجلس الأمن والدفاع يعقد اجتماعا طارئاً    إستحالة تأمين العمق الداخلي سواء في حالة روسيا او في حالة السودان بسبب اتساع المساحة    ترمب: الحوثيون «استسلموا» والضربات الأميركية على اليمن ستتوقف    المدير العام لقوات الشرطة يتفقد فندق مارينا بمدينة بورتسودان ومستودعات النفط عقب تعرضهما لعدوان غاشم    والي الخرطوم يقف على على أعمال تأهيل محطتي مياه بحري و المقرن    الإعيسر: إعلان الإمارات دولة عدوان قرار ملبي لطموحات الجماهير وتطلعاتها لمواجهة العدوان    الخارجية المصرية تجدد الرفض القاطع لاستهداف المنشآت المدنية في بورتسودان    اعلان دولة الامارات العربية المتحدة دولة عدوان    عادل الباز يكتب: المسيّرات… حرب السعودية ومصر!!    الأهلي كوستي يعلن دعمه الكامل لمريخ كوستي ممثل المدينة في التأهيلي    نائب رئيس نادي الهلال كوستي يفند الادعاءات الطيب حسن: نعمل بمؤسسية.. وقراراتنا جماعية    مجلس الإتحاد يناقش مشروع تجديد أرضية ملعب استاد حلفا    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    أموال طائلة تحفز إنتر ميلان لإقصاء برشلونة    قرار حاسم بشأن شكوى السودان ضد الإمارات    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفكار حول الإعلام الجيد (3)
نشر في النيلين يوم 24 - 11 - 2016

تحدثنا في مقال سابق عن وظائف الأعلام وبخاصة وظيفة الأخبار ووظيفة الترفيه والإمتاع ووظيف التعليم . وكيفية تأدية هذه الوظائف علي الوجه الأكمل هو ما يطلق عليه الأداء المهنى. والمهنية مفردة تشتمل علي معنيين . المعني الأول هو الحرفية وارتقاء القدرة في أداء العمل. والمعني الثاني هو التخلق بالنزاهة والأمانة والإنصاف عند تأدية ذلك العمل . والعمل الإعلامي يستوجب اقتران الكفاءة بالنزاهة لأنه أشبه ما يكون بعمل القضاء. فهو إما أن يصف الأشياء ويروي الوقائع رواية دقيقة أو يزن الأقوال والشهادات بعد نسبتها نسبة صحيحه لأصحابها. ولئن كان العالم قد طور ثقافة وخبرة مقدرة في مجال المهنية الإعلامية فإن العالم الإسلامي يستند إلي تراث ضخم وفريد في مجال توثيق الأخبار ووزن الشهادات وتقدير كفاءة ونزاهة رواتها فقد كان الشأن دائماً قديماً وحديثاً (أن آفة الأخبار رواتها).
علم الإخبار رواية ودراية
نقل الإخبار علم برع فيه المسلمون كما لم يبرعوا في علم آخر قط. ذلك أنه علم أقترن بالمقدس من النصوص المنسوبة لرسول الله صلي الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوي بل هو وحي يوحي. ولذلك تطورت علوم كثيرة في مجال تقدير حال الرواة . والتأكد من قدرتهم وكفايتهم والتيقن من نزاهتهم وورعهم وأمانتهم . فنشأت تحت هذا العنوان علوم كثيرة تصف أحوال الرواة وترتبهم في تصنيف دقيق حسب تلك المعايير. فترد رواية وشهادة بعضهم وتضعف روايات آخرين ، وتوثق وتعتمد شهادات من عرفوا بالضبط والأمانة، ونشأت علوم أخري لدراسة محتوي تلك الرويات اتصلت بدراسة المتون . وما قد يطرأ عليها من تصحيف أو تدليس أو اضافة أو حذف أو علة من أي وجه أو شذوذ من أي جانب. ولم يشهد المستشرقون المتحامل منهم والنزيه لعلم من علوم الإسلام بالدقة والمنهجية الراقية مثلما شهدوا لعلوم الحديث رواية ودراية. وإذا كنا فى وارد الحديث عن المهنية ،فما المهنية إلا الامتثال لمقتضيات المهنة دراية بفنونها وأساليبها وتخلقاً بقيمها ومثلها أخلاقها وأعرافها. وأما الأعلام والصحافة في أوروبا وأمريكا فلم تنشأ في كنف ما يسمي بالمهنة اليوم بل نشأت صحافة صفراء وأعلام نميمة ،وكان أهم مقاصدها هو الدعاية للأشخاص أو ضدهم والترويج للسلع التجارية . ولذلك فلئن كانت الرأسمالية لا ترعي للأخلاق إلاً ولا ذمة فلا عجب أن يجئ وليدها الصحفي لا يرعي ذمة ولا خلقُاً حتى أطلقت عليه العامة من الأسماء ، مثل صحافة البنس (صحافة المليم) والصحافة الصفراء وغير ذلك من الألقاب والأسماء. بيد أن النقد الذي بدأ الجمهور يصوبه نحو الأداء الصحفي والإعلامي أجبر ملاكها والعاملين بها علي تحسين أداءهم شيئاً فشيئاً . وكان لدخول التعليم وبخاصة التعليم الجامعي دوره الأكبر في وضع قواعد للمهنية الإعلامية وإن لم يجر الالتزام بها بصورة سريعة ولا كاملة . وذلك لأن أوضاع العمل المتصفة بالدخل المتواضع للعاملين والتدريب المفقود لملكاتهم الصحفية قد أثرت في امتثال الأعلام بالقواعد التي تضعها الجامعات . كما تأثر الأداء ولا يزال يتأثر بقوة بنفوذ الملاك من رجال الأعمال ورجال السياسة . ولا يزال ذلك النفوذ الذي يُعلى المصالح التجارية والسياسية للنخبة المالكة للمؤسسات الصحفية هو اكبر المعوقات لترسيخ قيم وقواعد مهنية للأداء الصحفي الإعلامي .
الأكاديمية والمهنية:
لقد أدرك رجال أكاديميون مرموقون مثل جوزيف بولتيرزمن جامعة ميزورى أن إعداد الصحفي يعنى إعداده لدور في الحياة العامة،وهو دور غاية فى الأهمية والتأثير . ولذلك فإن الإعداد الجيد للصحفيين يعني ضمان جودة الخدمة الصحفية ذات التأثير الكبير في الحياة العامة. ثم أن التطور الهائل لتقانات الاتصالات والعمل الإعلامي وتقانة الصورة قد عزز من الوضع النافذ والمتعاظم الذي باتت تحظي به الصحافة في أمور الحكم والحوكمة. وبهذه التطورات اكتسب الدور الذي يؤدية الإعلامي والصحفي مميزات وامتيازات عديدة . ووضعت علي كاهله مسئوليات باهظة . بيد أن غالب أهل الصحافة المتمتع منهم بهذه الامتيازات والمحروم منها لا يكادون يدركون عظم المسئولية الملقاة علي كواهلهم . ولو أدركوها بنصف الادراك لأصبحت مهنتهم مهنة النكد بحقٍ وحقيقة من تلقاء جهدهم فى التحرى والتثبت والتوثيق . فقد كان الطالب من أهل الحديث النبوى لخبرٍ واحد يسافر بالشهور ليوثق رواية راوٍ واحد . وينفق الرجل والمرأة الزمن الطويل في التحقق من فعل صغير نسب لراوية الحديث ليوثقه أو ليرد روايته . وكان هذا “الجرح والتعديل” يستغرق من رجال الحديث زمناً طويلاً و قد يستغرق وقتاً أطول مما تحتاجه بعض القضايا التي تعرض علي محاكمنا في هذه الأيام . ذلك أن المحدثين كانوا يدركون إن أحكامهم سواءً علي الرواة أو المرويات أحكام سوف تبقي علي مدي التاريخ وأنها سوف يكون لها تأثير عظيم علي ما سيكون بعدها.
الإعداد المهني للصحفيين والإعلاميين:
لا يمكن لنا أن نتمنى علي الله الأماني بأن نحظي بإعلام جيد دون بذل أقصى الجهد في إعداد الإعلامي الجيد. وهو الأمر الذي نفتقر إليه في الوقت الراهن. وإذا أردنا تحقيق هذا المراد فلابد من تغيير جذري في شروط القبول للكليات والمعاهد التي تضطلع بإعداد الإعلاميين . وفي مناهج تلك الكليات وفي طرائق تدريسها وتدريبها. وفي محتوي تلك المناهج من الناحيتين الحرفية والتربوية . والأفضل لنا أن نحتذي أنموذج بعض الشعوب التي برعت في الإعداد المهني لأصحاب المهن المهمة . مثل مهنة الطب والقانون والصحافة وهذه المهن جميعاً تشمل إلي جانب العلوم علي مكون أخلاقي جوهرى وعليهم إلى جانب ذلك إكتساب الموسوعية بدراسة السياسة والإقتصاد والعلوم والفنون والثقافة والمجتمع ثم من بعد ذلك وعلي مستوي فوق الجامعي أو المستوي الجامعي الأعلي يدرسون العلوم والفنون الإعلامية المتخصصة . ولن يكون الأمر بدعة نبتدعها علي غير سابقة . فكل هذه المهن المهمة تبدأ بتدريس العلوم الأساس ثم فى السنوات العليا أو الدراسة فوق الجامعية يجرى تدريس التخصصات سواءً في القانون أو الطب أو الصحافة. والصحافة مهنة أشبه ما تكون بمهنة الطب . فالموهبة والمهارة الشخصية والملكات المتفردة والقدرة الحرفية البارعة هي جوهر المهنة . ولذلك فان الإعداد الإعلامي أشبه بالتدريب وبناء القدرات منه بالتعليم المعتاد . ولذلك فلابد من تهيئة كليات الإعلام وكأنها مختبرات وليس فصولاً لإلقاء الدروس والمعلومات. ولا يمكن لكلية إعلامية أن تنشأ دون أن يكون لها مؤسسات إعلامية عاملة لتدريب وبناء قدرات طلابها. وكما لا يتصور تدريب طلاب الطب دون مستشفيات تعليمية فلا يتصور تدريب طلاب الإعلام دون وجود مؤسسات إعلامية. وهذا هو الشأن المعمول به الآن في كل كليات الأعلام المرموقة في العالم. بيد أن هذه الكليات لا تُكسب الطالب المهارة الأدائية فحسب بل لابد أنها من دور تربوي مهم وحاسم في ترقية حساسية الطالب للمسائل الأخلاقية المتصلة بعمله . وعملها في هذا الجانب لا يقل أهمية عن عملها في الجانب الأخر. لابد للطالب أن يدرك أنه أشبه ما يكون بالقاضي الجالس للقضاء بين الخصماء والغرماء وإذا استطعنا أن نشرع قسماً للمهنة مثل قسم ابقراط لماذا لا نفعل.
وإذ نتحدث عن المهنية في الأعلام والصحافة وتدريب الإعلاميين فإن ذلك لأن الأخلاق والقيم الإعلامية يُعبر عنها في ما يعرف بالميثاق الإعلامي. والتزام الصحف ووسائل الإعلام بالمُثل المهنية هو الذي يضفى عليها الصدقية والسمعة الجيدة. بيد أن الاتفاق علي ما يُعرف بالميثاق الأخلاقي اتفاق فضفاض . يشتمل علي تفاوتات وفروق ليست بالقليلة . وبعض مفردات هذا الميثاق تُثير اختلافاً أكثر مما تُوطد له . وأشهر تلك المفردات هي مفردة الموضوعية. وهي تعني أن يكون الموضوع هو موضع التركيز وليست رؤى الناس له من زوايا متعددة . ولا إحساسهم به من مشاعر مختلفة . فالموضوعية تعنى الوصف الدقيق المحايد للحدث . ولكن هل يمُكن للشاهد أو الناقل أن يكون في الحياد التام؟
عدل الشهود والرواة:-
لأن أمر العدالة في القول والشهادة أمر إلهي “وإذا قلتم فاعدلوا” والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما”، فإن التراث الإسلامي لم يفترض العدالة التلقائية فى الرواة والشهود . وإنما جعل لها موازين ومعايير لقياسها وامتحانها. فنشأت علوم ليُعرف من خلالها عدل رواة الأخبار . وهل ورد في سلوكهم أو سيرهم ما يجرح تلكم العدالة؟ أو هل ورد في سلوكهم المعتاد وسيرتهم المعلومة ما يؤكد استمساكهم بالدقة في النقل والضبط في الأداء؟ وأشترط علماء الحديث شرطان يشكلان الأساس لإعلان عدالة الراوى وقبول روايته . وهما العدالة والضبط . والعدالة تُقاس لديهم بحسن تدين المرء ورشد تفكيره ونقاء سلوكه . واختلفوا في تقدير أسباب الجرح ما بين متشدد وآخر يتجنب التشدد. وأما الضبط فيُقاس بمقاييس عدة . أولها سلامة العقل من النسيان وسؤ الحفظ والتوهم ثم التحرز من الخطأ والغلط . ودقة العبارة وعدم مخالفة الثقات من الرواة . وللتعبير عن عدالة الراوى كان يُقال أثبت الناس أو أوثقهم . ويقال ثقة ثبت ويقال حجة صدوق أو أن يُقال يُكتب حديثه أو يُؤخذ عنه وهذه أقل رتبة في التعديل . ويُقال في الجرح لين الحديث أو يقال لا يُحتج به أو يُقال لا يُكتب حديثه إلى أن ُيذهب للتصريح باتهامه بالكذب أو الوضع أو السرقة و حتى يقال أكذب الناس أو إليه منتهي الكذب. وهكذا تري أن علماء الخبر لم يتوانوا عن الحديث الصريح عن عدالة العدل أو القول القاطع في تجريح الكاذب والفاسق. بيد أن رواة الأخبار اليوم وإن عمت بها البلوى لا يخضعون لمثل هذه المعايير ولا أدني منها ببون شاسع. وصارت مصطلحات مثل الدقة والموضوعية مصطلحات فضفاضة مصطلحات . فيُكتفي عن التعبير عن الموضوعية برواية مصدر مستقل دون التعريف بهذا المصدر المستقل سوى الجهة التي ينتمى إليها. وأما الموضوعية فقد صارت بضاعة بائرة منذ تحولت وسائل الإعلام للاستخدام الكثيف للاستمالات العاطفية ، واستجاشة المشاعر بالتركيز علي بعض جوانب الصورة وإهمال الجوانب الأخرى . أو ربما بالتصنيع الدقيق وإعادة تركيب المشهد ليوائم صورة ذهنية يُراد رسمها للحدث وبناء الانطباعات علي أساسها. ومنذ انتقال وسائط الإعلام إلى تقانة الصورة انخفضت درجة الصدقية علي خلاف ما يقتضيه المنطق . ذلك أن الصورة هي أكبر شاهد علي نقل الحقيقة ، وبخاصة إذا كانت مشهداً مصوراً. ولكن تطور تقانة الصورة التي تسمح بالتكبير والتصغير وبالتحوير والتحرير والإضافة والحذف أتاح فرصاً كانت نادرة لتزييف الحقائق وتحوير الوقائع لاستمالة عواطف المشاهدين نحو اختيارات رواة الأخبار. وهؤلاء صار جلُهم أما وكلاء لقوى سياسية أو مجموعات ضغط أو أسري لتحيزات ثقافية أو عرقية أو أيدولوجية فضاعت الحقيقة بين هؤلاء وأولئك . وكانت هى الضحية الأولي لضياع المُثل الصحفية.
رسالة الصحافة وأخلاقها:-
لا يمكن التحدث عن أخلاق العمل الصحفي ومُثله دون الاتفاق علي رسالة الصحافة. ولا شك أن الآراء قد اشتجرت وأختلفت حول رسالة الصحافة ومهمتها . ونعنى بالصحافة هنا كل المهنة الإعلامية بكافة وسائطها المعروفة قديمة وجديدة. فلاسفة الأعلام وخبراؤه في الغرب تحدثوا عن المسئولية الاجتماعية كما تحدثوا عن نشر العدالة والديمقراطية وثقافة الحرية. وقد برز تيار ما يرفض مبدأ الموضوعية . وهؤلاء يقولون بعدم الحياد بين ما يسمونه الحق والباطل والضحية والجلاد . ولكنهم يغفلون الحقيقة الساطعة أن ما يسمونه الحق قد يكون هو الباطل بعينه عند طائفة من الجمهور . مثل من يدافع عن الحقوق المتساوية للمثليين وحقهم في الحصول على حرية اختيار الشريك . والحقوق المتصلة بالعلاقة الحميمة بين الشركاء بغير زواج . ومن يدافع عن هذا الحق يعتبرها نظرة ظالمة وباطلة تلك النظرة الأخلاقية التي ترفض اعتبار الحق في الانحراف صورة من صور المساواة الاجتماعية. وأقل من ذلك هو الجدل الدائر الآن بين أنصار الحق في الحياة “رفض إعطاء حق الإجهاض للمرأة الحامل” وبين أنصار حق الاختيار للمرأة الحامل أن تكون أماً أو لا تكون. وليست المشكلة الكبرى فى طبيعة هذا السجال ولكن المشكلة هى أن يعمل صحفيو الدعوة علي ترويج معتقداتهم من خلال بناء الانطباعات . تأسيساً علي تزوير الحقائق والوقائع أو اجتزائها أو تحويرها . وهذا ما نراه الآن فى كل لحظة في الممارسة الدارجة للإعلام الغربى والإعلام المستتبع للإعلام الغربى. ولا شك أنه ومع اشتداد التنافس الحامى بين القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية ومواقع الإخبار ووكالات الأنباء فإن الانتباه لمتطلبات الأداء المهني الأخلاقي قد تضاءل كثيراً بسبب البحث عن ترتيب أعلى (ريتنق) أعلى للمسموعية والمشاهدية الأعلى . للحصول علي يرتقي بمقام القناة أو المحطة أو أحيانا بكبار محرريها ومراسليها. وليست الموثوقية والضبط والصدق هي الضحايا فحسب بل وضاعت في هذه الحمى في أحيان كثيرة الذائقة السليمة والاحتشام والسلوك المقبول عرفاً وثقافة لدي الجمهور المتلقي. ثم أن عالمية وسائط الإعلام تكاد تطيح جملة واحدة بالنسبية الثقافية والخصوصيات الدينية والعرقية. فأصبحت بعض قنوات مركز الشرق الأوسط التلفزيونى وما يماثلها ويشابها تنقل ذات البرامج المقدمة لجمهور أمريكى في ذات الوقت للجمهور العربى المسلم. علماً بان عنصر التوقيت عنصر مهم في الإعلام . فالكثير من البرامج المعدة للكبار يُؤخر بثها في بلادها الأصلية لكيلا يتعرض الأطفال لرؤية مشاهد أو سماع ما لا يليق بالصغار الاستماع إليه حتى في تلكم البلدان . ولكن قنوات الإستتباع الثقافي تنقل هذه العبارات الفاسقة والمشاهد الفاضحة إلي جمهورنا في رائعة النهار. وربما تكون البلوى من نقل برامج أجنبية إلى بيئة ثقافية أخرى أقل من بلوى استنساخ ذات البرامج وتقديمها بأسماء عربية مسلمة وبشخوص عربية مسلمة وبذات تجردها عن القيم الدينية و رسالتها المناقضة للأعراف المحافظة في بلدان مالكو ومسيرو تلك القنوات نفسها . وقد أنجزت تلك القنوات المسماة عربية وشرق أوسطية نجاحات ساحقة في مجال الاستتباع الإعلامى فشلت في تحقيقها قنوات أوربا وأمريكا الموجهة للعالم العربى والإسلامى. واستطاعت أن تحقق اختراقاً غير مسبوق في جدار المُثل والأعراف المقبولة في الحوض العربى الإسلامى. ولا نستطيع أن نختم الحديث عن رسالة الصحافة وأخلاقها دون التأكيد على حقيقة أن الصحافة هي أداة المجتمع في التخاطب مع العالم لاظهار خصوصيته وتميزه وعبقريته المتفردة . والتخاطب مع نفسه لترسيخ القيم والمثل والأخلاق وللتوافق علي تحقيق المصالح والمنافع العامة ولتحقيق النهضة والتنمية والتقدم الاجتماعي لا لمحاكاة الآخرين وإتباع خطاهم حذو القذة بالقذة ولا للقول لما يسمى بالعالم المتقدم نحن نهرع على اعقابكم فأعيرونا نظرة .
نواصل،،،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.