كتبت من قبل عن فكرة الدسيسة الخبرية، أو دس السم بمبنى الخبر الإعلامي في الصحافة المكتوبة والصحافة التلفزيونية، وبحيث ذكرت أنَّ ذلك لا يعدو أن يكون سلوكاً تعبيرياً أصيلاً عن السياسة التحريرية للمؤسسة الإعلامية وأغراضها الخفية ربَّما. ولكن أن يصبح عنوان الخبر غير دال على محتواه فذلك هو التشويش المعلوماتي مسوقاً للقارئ والذي أهدتنا نموذجه صحيفة (السوداني) الصادرة صباح أمس السبت. صحيفة (السوداني) جاءت بعنوان: (الفكي يوضح ل "السوداني" حقيقة الخلافات مع الفريق ياسر العطا). أمَّا المحتوي التفصيلي فقد كان كما يلى: "أثار غياب عضو المجلس السيادي، رئيس لجنة إزالة التمكين، ياسر العطا، عن المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة، الخميس، جدلاً كثيفاً حول خلافات داخل اللجنة، تجدَّد بعد تصريحات أخيرة نسبت للعطا وصف فيها عمل اللجنة بأنَّه تشوبه الرغبة في الانتقام. ونفى عضو مجلس السيادة، نائب رئيس لجنة إزالة التمكين، محمد الفكي سليمان، بحسب صحيفة السوداني الصادرة، السبت، وجود أيَّ خلافاتٍ داخل اللجنة. وبشأن عدم مصادقة الفريق العطا على القرارات الأخيرة، قال الفكي: كثير من القرارات صدرت في أوقات سابقة مذيَّلة بتوقيعي، ويمكنكم مراجعة قرارات اللجنة السابقة". يرجح فرضية وجود خلافات سيقوم الفكي بتوضيحها. ولكن عندما نقرأ التفاصيل سنجد أنَّ الفكي نفى وجود الخلافات (حسب ما أوردته مفردات الخبر الداخلي)، ما يعني عدم وجودها الذي ينسف فرضية وجودها في العنوان الذي اختارته الصحيفة، والذي في حقيقته كان يجب أن يكون: (الفكي ينفي وجود خلافات بين العطا ولجنة التفكيك). الآن علينا توضيح أنَّ ما أشرنا إليه بالتشويش يحدث عندما يكتفي نفر من القراء بقراءة المانشيتات أو العناوين وينصرف ماشياً بين الناس يذيع فرضية الخلاف، وبين الآخر الذي يقرأ تفاصيل الخبر، ويقع تحت تأثير الإيحاء بوقوع الخلاف وعدم إفصاح الفكي عنه. أمَّا الثالث فهو الذي سيستخدم التفكير (التفكيكي) ويفهم غرض التشويش.
