كتبت هذا التعليق للصديق طارق الشيخ ولكنه طال فقلت لا بس من عرضه علي راي عام. منذ إندلاع الحرب لم يعد هناك بيانات إحصائية يمكن الثقة بها ولم يعد هناك مصدر سوي الحكومة التي تعاني بياناتها من ضعف إمكانيات الجمع والتشذيب كما تعاني من تسييس محتمل. حتي قبل الحرب انحصرت مصادر البيانات الإحصائية في جهاز الإحصاء الحكومي والبنك الدولي وصندوق النقد. بعض هذه البيانات معقول مثل بيانات التجارة الخارجية وبعضها تقديرات تفتقد الدقة لكبر حجم البلد وضعف التغطية والإمكانيات. عموما أكبر مشكلة تواجه البيانات هو كبر حجم القطاع غير الرسمي. القطاع غير الرسمي يشمل الأنشطة الاقتصادية والأعمال والوظائف غير المسجلة رسميًا ولا تعلم عنها الحكومة ولا تخضع للضرائب أو القوانين المنظمة ، ويرجع ذلك غالبًا إلى نقص قدرات الحكومة. ويشمل القطاع غير الرسمي مجموعة واسعة من الأنشطة القانونية، من البيع في الشوارع والعمل المنزلي إلى الشركات الصغيرة غير المسجلة، وأدوات المواصلات والزراعة والتعدين. ويشكل القطاع غير الرسمي مصدر دخل أساسي وشبكة أمان اجتماعي لملايين الأشخاص، على الرغم من افتقاره إلى الاعتراف والحماية الرسميين. لك أن تتخيل حجم النشاط الاقتصادي في الريف البعيد الذي لا ترصده الحكومة ولا تسجله أو النشاط في هوامش الخرطوم نفسها. كم من نجار أو ميكانيكي أو عاملة نظافة ساعدتك لا تعلم عن نشاطهم ولا دخلهم الحكومة؟ وبما أن القطاع غير الرسمي خارج الرصد لا يعلم أحد حجمه الحقيقي ولكن عموما تتراوح تقديرات حجمه بين أكثر من ثلث حجم الإقتصاد إلي أكثر من ثلثيه. لك أن تتخيل ماذا يعني أن أكثر من نصف النشاط الاقتصادي خارج البيانات التي يتم تداولها واعتمادها لإسناد التحليل والسياسة الإقتصادية. ضخامة حجم القطاع غير الرسمي تضع علامة استفهام كبيرة حول كل بيانات الاقتصاد المستعملة. لا ينتج أي محلل بياناته الخاصة وإنما يستعمل البيانات التي توفرها مؤسسات مثل الحكومة والبنك الدولي والصندوق وغيرهم. في الماضي ساهمت قامات معروفة في الفضاء العام بتحليل وشرح هذه البيانات التي تنتجها المؤسسات لمصلحة الراي العام كواجب وطني بلا مقابل. صحيح إختفاء أو شح هذا النوع من المعلقين كجزء من الإنحدار العام عاني منه مجال التعليق الإقتصادي أكثر من غيره. في الماضي كان بإمكان المعلق أن يقول ما يمليه ضميره ويواصل في عيشه الكريم المستور. ولكن مع انهيار الطبقة الوسطي منذ تسعينات القرن الماضي واشتداد قبضة النيولبرالية أصبح المعلق الإقتصادي يراقب فمه لان قول الحق يقطع الرزق بالذات في حالة كبار الاقتصاديين الذين يعتمد دخلهم علي الدعوات للمشاركة في فعاليات أو الحصول علي عقود استشارية مع منظمات أجنبية عندما أصبح مرتب الحكومة أو الجامعة نكتة بايخة. أضف إلي ذلك المردود المعنوي في الماضي حين كان المعلق النقدي يقول ما في ضميره ويصبح قامة وطنية أو بطل في أوساط سياسية مهمة. ولكن بعد انهيار الطبقة الوسطي وإلي يومنا هذا صار قول الحق في أمور الاقتصاد مخاطرة تجلب ضنك العيش ولا يعوضها مردود معنوي إذ لا تجلب سوي الوصف بالتكلس الإيديولوجي أو الصبيانية أو عدم الواقعية أو الهتافية ولا يجد المعلق بالحق أي سند من أي جهة. وقد دفع الواقع المستبد بقامات سابقا إلي الرحيل من تاريخها الناصع إلي مراعي دعوني أعيش. أتحدث عن اختلال توازن القوي الأيديلوجية وفرار الليبرال والوسط إلي أحضان النيولبرالية ومعهم شرائح مهمة من الفاقد اليساري. معتصم اقرع إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة