تأكيد المؤكَّد وانكشاف المنافقين قراءة في مشهد التحوّل الشعبي وانهيار التحالفات الرمادية من يراقبُ مسار الحرب في السودان، منذ أن عبرت ميليشيا الدعم السريع إلى الجزيرة، ثم تمددت في سنار والدمازين والخرطوم والفاشر، يدرك أنَّ التاريخ يعيدُ نفسه ولكن بوضوحٍ أكثر، وصوتٍ أعلى، وفضيحةٍ أكبر. لقد تهاوت الأقنعة التي كانت تتزيَّن بشعارات المدنيَّة والديمقراطية، وانكشفت وجوهُ النفاق السياسي التي ظنَّت أنَّها قادرةٌ على الاحتيال على الوعي الجمعي، وأن تخدع الشعب باسم "الانتقال" و"الحرية". رمادية الموقف… وميلاد البصيرة قبل اجتياح الجزيرة، كان كثيرٌ من أهلها في منطقةٍ رماديةٍ من الموقف. بعضهم قال "لا للحرب"، وبعضهم آثر الحياد، وآخرون صدَّقوا دعاية الميليشيا ووعودها بأنَّها ستتعامل مع الناس برفقٍ وعدلٍ وأنَّها جاءت لتصحيح المسار لا لتخريب الديار. بل إنَّ بعض القبائل والإدارات الأهلية وقَّعت اتفاقاتٍ محليةٍ مع قوات الدعم السريع، على أمل أن تُجنِّب مناطقها الخراب. لكن سرعان ما ظهر الوجه الحقيقي للمليشيا: وجهٌ مفعمٌ بالقتل والنهب والترويع. رأى الناس في الجزيرة وسنار والدمازين والخرطوم ما لم يروه في أكثر عصور السودان اضطرابًا؛ نساءٌ يُغتصبن، وبيوتٌ تُنهب، ومساجدُ تُدنَّس، ومواطنون يُقتلون بدمٍ باردٍ لأنَّهم فقط لم يهللوا للغزاة. عندها انقشعت الغشاوة، وارتفع الغطاء، وتحوّل الحياد إلى غضب، والغضب إلى مقاومةٍ شعبيةٍ مسلّحةٍ تستمد شرعيتها من حق الدفاع عن الحياة والعِرض والوطن. تكرار الجريمة… وانكشاف التحالف السياسي واليوم، تكرّر المليشيا ذات الجرائم في الفاشر، غير عابئةٍ بنداءات جناحها السياسي في "قوى الحرية والتغيير" — خاصة حزب الأمة وحزب المؤتمر السوداني — اللذين ناشداها ظاهريًا بعدم تكرار الانتهاكات، خوفًا من انكشاف عورة دعمهم لها. فهذان الحزبان لم يكونا يومًا خارج دائرة التحالف مع المليشيا، بل شكّلا جناحها السياسي، ووقّعا معها عهودًا ومواثيقَ منذ ما قبل اندلاع الحرب. كانوا يرون فيها ذراعًا تحقق لهم ما عجزوا عن تحقيقه عبر صندوق الانتخابات أو عبر الشرعية الشعبية. لكن هيهات! فالمقاتلون الذين دربوا على الإجرام والظلم لا يعرفون غيرهما، ولا يملكون في معجمهم سوى لغة القوة والغنيمة. مهما رفعت القوى السياسية بيانات "القلق العميق" و"الإدانة المشروطة"، فإنَّ الميدان يُكذّب البيان، والواقع يفضح النوايا. لقد تكررت الفظائع في الفاشر كما تكررت في الجزيرة، لأن المليشيا لا تنتمي إلى فكرةٍ سياسيةٍ بقدر ما تنتمي إلى غريزةٍ حيوانيةٍ مفترسةٍ لا تعرف إلا السيطرة والنهب. تحالف المصلحة لا المبدأ إنّ التحالف بين المليشيا وجناحها السياسي ليس تحالفَ قِيَمٍ، بل تحالفُ مصلحةٍ ظرفيةٍ بين بندقيةٍ تبحث عن شرعيةٍ، وسياسيين يبحثون عن سلطةٍ ولو على جماجم الأبرياء. فكانت النتيجةُ أنَّ البندقيةَ أهانت الكلمة، والميدانَ أذلّ المنبر، وانهارت شعاراتُ "المدنية" أمام أول اختبارٍ أخلاقيٍّ حقيقيّ. الآن، حين تتكررُ الجرائم في دارفور ويُسال الدم في الفاشر، لا يُمكن لحزب الأمة أو المؤتمر السوداني أن يتحدثا عن "حقوق الإنسان" أو "الانتقال الديمقراطي" دون أن يُوجِّها أصابع الاتهام لأنفسهما أولًا. فهما جزءٌ من المأساة، شركاء في الصمت، بل في التبرير والتسويغ، وربما في التخطيط. الصحوةُ الشعبيةُ… وبدايةُ النهاية اليوم، الجزيرة وسنار والخرطوم، بل وكلّ المناطق التي ذاقت بطش المليشيا، أصبحت أكثر الأصوات صلابةً في الدعوة إلى اجتثاث الدعم السريع. هذه المناطق التي ظنّ البعض أنها ستقبلُ الأمر الواقع، صارت مهداً لميلاد وعيٍ جديدٍ يرفضُ الخضوعَ لأي سلاحٍ خارج الدولة. وستشهد شمال كردفان وشمال دارفور ذات المسار: قرى تتسلّح، ومجتمعات تُشكّل مقاومةً شعبيةً حقيقيةً تحفظُ كرامتها وتدافعُ عن حقها في البقاء. خاتمة: من الوهم إلى الوعي لقد تأكد المؤكَّد: لا مدنيةَ مع مليشيا، ولا ديمقراطيةَ مع بندقية متمرد وعميل ، ولا حيادَ في مواجهة الإجرام. وانكشف المنافقون الذين حاولوا التجميل بالكلمات بينما كانوا يُغطّون الدماء بالتصريحات. انتهت اللعبة، وسقط القناع، وتبيّن من كان مع الوطن ومن كان مع الغنيمة. إنّ الطريق إلى الخلاص يبدأ من وعيٍ جمعيٍّ جديدٍ لا يُهادن القتلة، ولا يساوم على المبادئ، ويعرف أنَّ السودان لا يُبنى بالموازنات السياسية بل بالتضحيات الصادقة. فمن تاجر بالدماء سيسقط، ومن صمت عن الجريمة سيُدان، ومن ناصر الوطن ولو بكلمة سيُخلَّد. ذلك وعدُ التاريخ، وعدُ الله للمستضعفين أن يرثوا الأرض، وللصادقين أن يُرفعوا فوق غبار الخيانة. وبل بس؛ وليد محمدالمبارك احمد إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة