الحقيقة التي لا تحتمل أي مواربة هي أن تجربة التعامل مع مليشيا الدعم السريع لم تترك مجالاً للشك في طبيعتها الإرهابية المتمردة. فمن يجرّب المجرَّب تكون الندامة حصاده المحتوم. لن تجد عاقلاً يرفض السلام أو يستهين بقيمة الهدنة، فهما مطلبان إنسانيان قبل أن يكونا سياسيين. لكن كيف نثق بمن حوّل الهدنات إلى أدوات للقتال، والوعود إلى أسلحة للخداع؟ اتفاق الهلالية ورفاعة، الذي تم ترويجه باسم "نموذج الهلالية"، تحوّل إلى مذبحة مروعة دفع ثمنها أبناء الهلالية بأكثر من ألفي شهيد. أما وعود المجرم حميدتي للأستاذ إسماعيل التاج في أديس أبابا، والتي ملأها بتعهدات حماية المدنيين ومحاسبة الجناة، فقد انتهت إلى انتهاكات وصفتها الضمائر الحية بالخيانة والانحطاط. وفي كل محطة هدنة، تتكرر المشاهد نفسها: نهب للممتلكات، اعتداء على الأعراض، وقتل بدم بارد. حتى مجلس الأمن لم يسلم من الاستهتار بقراراته، فرفضت المليشيا رفع الحصار عن الفاشر، لتدخل المدينة وترتكب جرائم حربٍ أدانها العالم أجمع. ها هي الأدلة تتوالى على كذب هذه المليشيا وخداعها، فبعد ساعات فقط من إعلان الهدنة الأخيرة، تناقل السودانيون أنباء عن قيام المليشيا بتدوين بابنوسة. هذه الواقعة ليست سوى حلقة في سلسلة الخيانة الطويلة، تؤكد أن الهدنة مجرد غطاء لإعادة التنظيم والتجهيز. اليوم، وبعد كل هذا السجل الأسود، يعلن قائد المليشيا عن "هدنة إنسانية" جديدة تمتد لثلاثة أشهر. فهل يعقل أن نثق بهذا الإعلان؟ الإجابة واضحة كالشمس: من خان العهود مراراً لن يفي بعهد، ومن جعل من الهدنة وسيلة للحرب لا يمكن أن يتحول بين عشية وضحاها إلى رجل سلام. الدرس الذي يجب أن نتعلمه: السلام الحقيقي لا يُبنى على موائد الخونة، والهدنة التي لا تقترن بانسحاب المليشيا من المدن ليست سوى فخ جديد. على السودان أن يقف صامداً من موقع القوة لا الضعف، وأن يبني سلامه على أساس الوعي لا الوهم. فلننظر إلى واقعنا بعينين مفتوحتين، ولنقرأ التاريخ بأصابع لا تنسى الجراح. وليعلم العالم أن شعباً أعطى آلاف الشهداء لن يركع للإرهاب، وأن أمة لها تاريخ لن تقبل بأن تُلدغ من الجحر نفسه مرتين. فالوطن أغلى من أن يُسلم لميليشيا، والمستقبل أكبر من أن يُرهن لخيانة. عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان إنضم لقناة النيلين على واتساب Promotion Content بعد مماتك اجعل لك أثر في مكة سقيا المعتمرين في أطهر بقاع الأرض ورّث مصحفا من جوار الكعبة المشرفة