من المنتظر ان تشهد قمة مجلس السلم والامن الافريقى التى ستعقد فى العاصمة النيجيرية ابوجا الخميس المقبل، مواجهة عاصفة بين الخرطوم والرؤساء الافارقة حول التوصية التى رفعتها لجنة حكماء افريقيا برئاسة ثامبو امبيكي رئيس جمهورية جنوب أفريقيا السابق الداعية الى انشاء محاكم مختلطة لمرتكبى جرائم حرب بدارفور تضم اجانب فى اشارة الى قضاة « غربيين ، اسيويين » الامر الذى ترفضه الخرطوم بشدة ، بجانب تشكيل لجنة للحقيقة والمصالحة لكشف كافة الانتهاكات ، وتحديد المسؤوليات « افرادا ومؤسسات » ومن ثم مواساة الضحايا والاعتذار لهم، وهو الامر الاخر الذى ترفضه الخرطوم ، أي المساءلة والاعتذار عن مظالم تاريخية ، وهاجمت فكرة الحقيقة والمصالحة فى وقت سابق باعتبارها مستوردة من جنوب أفريقيا . على الرغم من ان تقرير اللجنة التى كان المراقبون ينتظرونه بفارق الصبر وضع حدا للجدل المثار حول العدالة والمصالحة فى دارفور بانشاء محاكم مختلطة وتشكيل لجنة للحقيقة والمصالحة، بيد انه سيثير جدلا اخر وسط القادة الافارقة فى قمتهم يوم الخميس المقبل حول كيفية تطبيق تلك التوصية هل سيتم تحت اشراف ومراقبة الاتحاد الافريقى ام القوة المختلطة « اليوناميد » ؟ وما هى آليات التطبيق ؟ والجهة الممولة ؟ والسقف الزمنى لتنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه ؟ وكان مسؤولون امريكيون روجوا فى وقت سابق لفكرة انشاء محكمة دولية مؤقتة جديدة، يفوضها وينشئها مجلس الأمن وتديرها الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي معا ، والخرطوم التى تحفظت ورفضت بعض بنود التقرير قالت انها ستعلن موقفها رسميا على لسان نائب الرئيس علي عثمان محمد طه امام قمة مجلس الامن والسلم الافريقى الخميس المقبل ، وستدخل الخرطوم لا محالة فى مواجهات عاصفة مع الزعماء الافارقة الذين بالطبع سيتبنون التقرير الذى ابدت الخرطوم تحفظات على بعض بنوده، وذلك من ناحية اخلاقية لانهم قاموا بتكليف من اعدوه، خاصة وان المجلس الاستشارى لحقوق الانسان بوزارة العدل اكد بانه لا مجال لاشراك الاجانب فى محاكمة سودانيين ، واعتبر عضو المجلس الطيب هارون ان الموافقة علي مشاركة القضاة الاجانب فى المحاكمات يمس سيادة الدولة والقضاء ويعنى الاعتراف بان هناك قصورا، مما يجر البلاد الى مآلات لا تحمد عقباها حسب تعبيره. التوصية التي طالبت بضم قضاة أجانب وتعزيز نظام القضاء السودانى، بقضاة مؤهلين وذوي اختصاص ، فى اشارة الى التشكيك فى القضاة السودانى ، كانت ليست مفاجئة لكثير من المراقبين بقدر ما كانت مفاجئة للخرطوم، التى ركنت للجنة التى قالت على لسان رئيسها امبيكى فى لقاء له مع المدعي العام لويس مورينو اوكامبو فى اديس ابابا، إن افريقيا تعالج خلافاتها بالتوافق وليس بالمحاكم. وستنتقل تداعيات التقرير من قمة ابوجا الى طاولة المفاوضات والساحة السياسية السودانية لان من مهام لجنة الحقيقة والمصالحة التى طالبت بها التوصية الكشف عن كافة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتحديد المسؤوليات الفردية والمؤسسية، بمعنى تحديد مسؤولية كل مؤسسة على حده ،« الدفاع الشرطة الدفاع الشعبي الجنجويد الحركات المسلحة » ، ومبدأ المحاسبة او المسؤولية الجنائية كان مثار جدل وسط القوى السياسية لمدة ليست بالقصيرة ، ولم يقطع فيه حتى مؤتمر جوبا اخيرا ، والذى دعا لتشكيل لجنة للحقيقة والمصالحة، التي هاجمها المؤتمر الوطنى بضراوة باعتبارها فكرة مفصلة لمحاسبة الانقاذ ، ورفض مساعد رئيس الجمهورية الدكتور نافع علي نافع الحديث عن المساءلة والاعتذار عن المظالم التاريخية، بيد انه أبدى استعداده لقبولها فى حالة المساءلة الشاملة لمعرفة الذين قتلوا والذين دفنوا أحياء والذين ألقوا في البحر، حسب تعبيره . وقالت الخرطوم انها ستشرع فى دراسة التقرير بصورة متأنية ودقيقة وسترد عليه بشكل رسمى خلال قمة الاتحاد الافريقى بابوجا الخميس المقبل. وابدت الخرطوم تقديرها لجهود اللجنة والاتحاد الافريقى، التى وصفتها بالصادقة والمخلصة تجاه مسألة حل قضية دارفور، واشارت الى ان التقرير حظى من جانبها بتقدير واحترام كاملين ،ورحبت وزارة الخارجية بما ورد فى التقرير من اشارات حول ان قضية دارفور تمثل مشكلة سودانية وافريقية وان حلها بايدى السودانيين، واعتبر المتحدث باسم الخارجية معاوية عثمان خالد، ان اشارات التقرير تنطوى على تشخيص سليم للقضية وتضع مؤشرات الحل فى اطارها الصحيح. واعتبر المجلس الاستشارى لحقوق الانسان بالوزارة فى الوقت ذاته ان مطالبة التقرير بتكوين لجنة للعدالة والمصالحة يمكن ان تغطى على الجوانب الاخرى فى اشارة الى عملية المحاسبة والعدالة .