إن القرار الأمريكي والذي ينص على قطع الدعم الاقتصادي عن أي دولة تستضيف الرئيس البشير لكونه مطلوباً للمحكمة الجنائية، لا يعدو كونه مخطط وسيناريو أمريكي آخر يستهدف حصار السودان اقتصادياً، كما فعلت أمريكا طوال فترة التسعينيات، ها هو فرانك وولف النائب الجمهوري والذي يدير خيوط المخطط، ويعمل جاهداً لخروجه إلى النور.. الأمر الذي قاده لأخذ تصويت بالموافقة على القرار يقول «إن العزلة الدولية للبشير ستؤدي إلى سقوطه»، وهذا التصريح «لولف» بالتأكيد لا يستهدف البشير في شخصه، بل يستهدف الحكومة الإسلامية في الخرطوم. أما النائبة الديمقراطية نيتا لاوي فقالت: «إن الوضع في السودان يبعث للأسف ويجب محاسبة البشير». وأضافت بالقول: إن البشير زار ثماني دول، ولو كان هذا القرار موجوداً لفرضت عقوبات على هذه الدول.. والأمر يبدو واضحاً أن أمريكا قد جزمت بعدم قدرتها على تنفيذ أجندتها بواسطة حلفائها في الحركة الشعبية، في ظل وجود البشير، فكان الاتجاه لتشديد الحصار الاقتصادي بتقييد حركة رئيس البلاد، ولكن السؤال هل تنجح أمريكا بهذا القرار في عزل البشير واسقاط النظام في السودان؟! المعارضة السودانية متمثلة في حزب البعث العربي الاشتراكي، ترى أن القرار يمثل تدخلاً في شأن داخلي، وقال الناطق الرسمي باسم حزب البعث: محمد ضياء الدين نحن ضد محاكمة البشير في الجنائية، ونرفض أي تدخل في الشأن السياسي للسودان، والشعب هو الذي يحدد كيف يُحاكم من أخطأ، والمعارضة تعي وتميز الفرق بين الوطن والوطني.. مشيراً إلى أن أي حصار اقتصادي لا يؤثر على النظام، بل يؤثر على الشعب والمواطن البسيط، والتجارب أثبتت ذلك، وأكد ضياء الدين أن القرار الأمريكي مكمل لقرار مجلس الأمن الذي يتيح التدخل العسكري، حالة عدم التزام أي من الطرفين بالفصل السابع.. وقال إن القرار يهدف إلى ممارسة مزيد من الضغوط على الخرطوم لقبول مزيد من الشروط.. وأضاف بالقول إن استراتيجية أمريكا قائمة على أن من يقدم تنازلاً عليه أن يقدم كل التنازلات.. مشيراً أن أمريكا إذا كانت جادة في هذا القرار لن تلوح به بل ستنفذه، ولكن السياسة الأمريكية قائمة على المصالح، ولذلك فإن الدول ربما لا تستطيع رفض القرار. مراقب سياسي صاحب تخصص عال في التاريخ والعلاقات الدولية قال: إن القرار الأمريكي بمعاقبة أي دولة تستضيف البشير لن يترك أي أثر على مكانة البشير داخلياً- وهذا هو الأهم- بل على العكس سيزيد من حجم جماهيريته، كما أثبتت تجربتنا في الحرب الأمريكية ضد البشير المستمرة خلال عشرين عاماً. بالنسبة للتأثير على علاقاتنا مع الدول الأفريقية والعربية، يتوقف ذلك على الكيفية التي تدير بها وزارة الخارجية وإعلامنا المواجهة، وهي على أي حال ليست مواجهة ساخنة، بل تتطلب استخدام الأساليب الناعمة ولتكن البداية بعرض القرار على الاتحاد الافريقي، والجامعة العربية، والخروج بقرار موحد يرفض الالتزام بهذا القرار. وعلى الصعيد الافريقي أن ما يهمنا هو الدول التي تجاورنا.. وهي اثيوبيا- وارتيريا- وتشاد- ودولة جنوب السودان- وهذه الأخيرة يجب ابتعادها حالياً، لأنها سلمت كل أمورها لأمريكا وإسرائيل، وكل قياداتها ذات ارتباطات قوية بأجهزة الاستخبارات في الدولتين، وينبغي التركيز على الدول الثلاث الأخرى.. بالنسبة لتشاد وارتيريا لا اعتقد أنهما سيستجيبان للتهديد الأمريكي، لأن مصالحهما مع السودان أكبر، وبالذات مع هذا النظام الذي لولاه لما كان «افورقي ودبي» الآن في السلطة، فهو الذي حسم الصراع لصالحهما، وحملهما بمساعدات مباشرة.. وربما يقول البعض إن الرئيسين استجابا للضغوط الأمريكية من قبل في دعم التمرد، يقول المراقب إن «فاعلية الأوراق الأمريكية في الضغط على النظامين بعد أن أضحت مصالحهما مع السودان أكبر من تشاد ودول أفريقية أخرى، تسعى للاستفادة من ميناء بورتسودان لتصدير بترولها، بالنسبة لأثيوبيا الوضع مشابه لكن زيناوي تحت ضغوط أقوى لوجود منظمة الاتحاد الافريقي على أرضه، ولكن قراراً من المنظمة الافريقي بقي يرفع عنه الحرج، وهذا يتوقف على جهد وزارة الخارجية وحسن استخدام التوجهات الأثيوبية ناحية الاستفادة من الاستثمارات العربية. أما بالنسبة للدول العربية فإن أمريكا لن تجد استجابة لأنها الأكثر جرأة في مواجهة الضغوط الأمريكية من الدول الافريقية، وذلك لأنها لاتعتمد على المعونات الأمريكية بنفس الدرجة التي تعتمد عليها الدول الأفريقية.. كما أن قياداتها ستخشى حكم التاريخ عندما يسجل محاصرتها لدولة إسلامية شقيقة، ومساعدة أمريكا في التخلص من رئيس عربي له شعبية كبيرة في بلاده، لأسباب دينية، والشعوب العربية عادة تحتقر أي نظام يُسارع في الاستجابة لأمريكا، ولذلك فإن الدول العربية لا تحتاج إلى جهد كبير لعدم الاستجابة، فمثلاً السعودية التي تحتضن الأراضي المقدسة لا تستطيع رفض دخول اي مسلم لأنه واجب ديني.. وأضاف بالقول إن الأنظمة العربية المتحالفة مع أمريكا الآن تبحث عن أي موقف يؤكد قدرتها على تحدي الأوامر الأمريكية، بعد أن كشفت ثورات الربيع العربي أن أقوى أسباب الانهيار هو التزام تلك الدول بما تطلبه أمريكا، والمهم أن سياسته الإعلامية لا تقوم على رد الفعل وتحركات دبلوماسية أيضاً لا تستند إلى رد الفعل، كما اعتدنا من دبلوماسيينا خلال العشرين عاماً الماضية. صحيفة آخر لحظة