على عادتها في التعامل مع أحداث مشابهة، لم تول وسائل الإعلام العربية، اهتماما كبيرا لسيطرة الجيش السوري النظامي على مدينة القصير التي وعد معارضو الرئيس السوري بشار الأسد أنهم سيحاربون فيها حتى آخر رجل. القصير سقطت كما سقطت من قبلها مناطق كثيرة كانت تسيطر عليها الميليشيات المسلحة في غير مدينة ومحافظة سورية بقلم: مهند عبد الله وفي المعيار التحليلي يعني سقوط القصير أن قوات الجيش السوري النظامي بدأت باستعادة زمام المبادرة، والقضاء على حصون كانت تعتبرها المعارضة المسلحة إلى وقت قريب قلاعا يصعب سقوطها. انقسام ولاءات الميليشيات المسلحة والمراقب لسير الأحداث على الأرض يرى أن الجيش النظامي حقق خلال الشهر الماضي، والحالي مكاسب كبيرة سواء في حلب وحمص وريف دمشق، بينما تراجعت مقدرة معارضي الرئيس الأسد على صد هجمات الموالين له، متذرعين تارة بمشاركة عناصر من حزب الله وأحزاب عراقية في القتال ضدهم. لكن الأكيد، رغم أهمية المشاركة الخارجية في دعم تقدم الجيش النظامي السوري، أن انقسام ولاءات الميليشيات المسلحة المعارضة واختلاف أجنداتها، ناهيك عن وقوعها في أخطاء كبرى كانت كافية لجعلها غير قادرة على الاحتفاظ بقاعدتها أو حاضنتها الشعبية كما يسميها الإعلام الرسمي السوري. نجح النظام الرسمي السوري منذ البداية في تقسيم البلاد، مدنا وقرى وتجمعات كبيرة، إلى مربعات أمنية، جرى السماح فيها بوجود العناصر المسلحة حيث يتم حصارها وقصفها من حين إلى آخر. وقد سمح هذا للقوات الحكومية بعدم استنزاف قدراتها، وإعطائها أفضلية في الدفاع عن الأماكن التي تعتبرها ضرورية لاستمرار الدولة قوية ووقف اندفاع المتعطشين للإطاحة بحكم الرئيس الأسد. ووفق هذا السيناريو تم القبول بوقوع بعض الأرياف والضواحي القريبة من دمشق، حلب، دير الزور، حمص وحماه، في قبضة الجيش الحر الذي أثبتت الشهور الماضية أنه يفتقد لكثير من العناصر التي ستجعله حتى وقت قد يطول بعيدا عن تحقيق توازن في القوى مع القوات النظامية. معارك الغنائم فرقت الصفوف ظن قادة الميليشيات، مع بداية العام الحالي، عبر ما يسمعونه، ويشاهدونه على شاشات التلفزة العربية المؤيدة لهم بالكامل أنهم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق نصر مؤزر. لكن ذلك ترافق، وفق مصادر مطلعة، مع انقطاع تام في مصادر التمويل الخارجية ما أدى إلى لجوئهم، وعلى نحو غريب، لافتعال معارك كبرى في ريف دمشق وحلب ودير الزور، من أجل الحصول على الغنائم، سواء من المصانع والمعامل، أم من المستودعات الكبيرة التي تضمها تلك الأرياف. معارك الغنائم لم تكن سهلة وسقط فيها قتلى. في دمشق تحوَّل كثير من أفراد الميليشيات المعارضة إلى بائعي بسطات يبيعون عليها غنائمهم، وتحولوا في مناطق أخرى إلى تجار حنطة ومحروقات وكل شيء قد يخطر على البال. وقد جلبت حروب الغنائم عداوات ومعارك بين رفاق الأمس والطامحين لغنائم أكبر الآن. هكذا شهدت بعض المناطق في حلب ودمشق معارك شرسة بين معارضي الرئيس الأسد، واستخدمت في بعضها الأسلحة الثقيلة كالهاونات والراجمات. المدنيون، وهم ضحايا الحرب الدائرة الرئيسيون، لم تعجبهم الحال، وبات من الممكن بسهولة رؤية الشعارات التي تقول بأن الجيش الحر حرامي مكتوبة على الجدران، أو صادحة من حناجر المتظاهرين الذين باتوا هذه المرة يعانون من سرقة منازلهم وممتلكاتهم من دون أن يكونوا قادرين على مواجهة الجماعات المسلحة. وزاد من حالة السرقات انقسام جبهة النصرة التي يخشاها المنضوين تحت راية الكتائب المناهضة للرئيس الأسد. ووفق المراقبين فقد كانت قيادة الجيش الحر في الداخل والخارج على علم بما يجري من تجاوزات على أرض الواقع، لكنها كانت تدرك أن المجموعات المسلحة كلها لا تأتمر بإمرتها، كما أن معركة اللصوص لم تكن من ضمن أولوياتها الراهنة. ولا يجب أن يغيب عن البال هنا أن فتح ملف اللصوصية سيفتح باب الصراع بين الميليشيات فيما بينها. انقطاع الدعم المالي الخارجي وناهيك عن انقطاع الدعم المالي ساهم البطء والتقتير في تسليح الجيش الحر إلى مراوحة في المكان. وبدا أن الداعمين بالسلاح لا يريدون لأي من طرفي النزاع الانتصار في المعركة. هذا الأمر دفع بعض المحللين لاعتبار ما يجري في سوريا حربا لتدمير سوريا، لا لتغيير النظام أو تنحي الرئيس الأسد. وفيما تروج تجارة السلاح في المناطق التي يسميها البعض محررة، لا يبدو أن مقاتلي الميليشيا المسلحة يمتلكون ما يكفي من الذخيرة والسلاح لخوض معارك كبيرة ضد الجيش النظامي. لا بل إن بعض متزعمي تلك الميليشيات احتفظوا في مخازنهم بأسلحة ثقيلة حديثة لم يجر استخدامها على الرغم من القصف المدفعي والجوي لمناطقهم. الحديث عن المجازر لا يكفي وتبدو الحالة في كل المناطق السورية متشابهة، لذلك لم يكن من المستغرب سقوط القصير، كما لم يكن مستغربا سقوط جديدة الفضل أو العتيبة ودير العصافير بأيدي الجيش النظامي. وقد لا يفيد المعارضة كثيرا حديثها المحتمل اليوم، وفي الأيام المقبلة، عن مجزرة ارتكبت في القصير، ولا في أي منطقة أخرى تخرج من قبضة مسلحيها. كما لن يفيدها التعويل على رفع حظر الأسلحة الأوروبي. وعليهم الالتفات إلى أن البلاد تتحول شيئا فشيئا إلى سلطة أمراء للحرب، أمراء يرضون بالسيادة على حي واحد فقط ولو امتدت معاناة الشعب السوري إلى الأبد، وإلى أن تشرذم معارضة الخارج شرذم صفوف مقاتليهم أيضا. استعادة الجيش النظامي لسيطرته على مدينة القصير قد لا تكون حدثا كبيرا لكنها فاتحة لأحداث كبيرة إذا لم تراجع المعارضة السورية المسلحة حساباتها، ولعل في طليعتها المشاركة في جنيف 2 كبوابة كحل سياسي يحمي سوريا وشعبها من الانزلاق أكثر في مستنقع الدم والدمار. خبير عسكري سوري: الوثائق التي وقعت بيد الجيش السوري في القصير قد تحرج العيد من الدول التي تتحدث عن الديمقراطية. حوار مع المحلل السياسي والخبير العسكري والإستراتيجي العميد محمد عيسى. أجرى الحوار: نواف ابراهيم. نص الحوار: سؤال: المحلل السياسي والخبير العسكري والإستراتيجي العميد محمد عيسى أهلا ومرحبا بكم، من الواضح أن الجيش العربي السوري قد حقق الانتصار على المسلحين في القصير، فهل لكم سيادة العميد أن تفشوا لنا بعض أسرار الأيام الأولى من عملية تحرير القصير من المجموعات الإرهابية؟ جواب: إن عملية تحرير القصير هي عملية عسكرية بالأساس كانت بالغة السرية، لكن الذي هو لافت في الأمر أن الجيش العربي السوري استخدم تكتيكا خاصا سيبقى هذا التكتيك سرا يحتفظ به الجيش العربي السوري لمثل هذه الأعمال لأنه ليس من الحكمة في مكان أن يتم تقديم هذه على شاشة التلفزيون أو مجانا لكل من أراد ذلك، لأن ثمن هذه الخبرة هو دماء كثيرة من السوريين دفعت، ومن جانب آخر فالعملية العسكرية بأهميتها ليست هي الأكبر التي ستجري في سوريا،,أؤكد لك أن هناك عمليات سوف تكون عمليات أكبر، وأن النصر الذي تحقق في القصير هو نصر باهت قياسا إلى ما سيتحقق في الأيام المقبلة، هناك تحضيرات لعمليات كبيرة جدا على مستوى الجمهورية ككل، ولن يكون بعدها للمسلحين وزنا يذكر على الأرض. سؤال: سيادة العميد هل لكم أن تحدثونا عن هذه الأمور، بعد أن تم تحرير القصير هناك كما تتفضل وتحدث مخططات للجيش العربي السوري، فهل لنا بشكل أن نعرف عن العمليات القادمة أين ستكون؟ جواب: هناك عدد من الأجندات التي يحملها الجيش العربي السوري أو الكثير من الخطط والأهداف التي خطط لها الجيش العربي السوري، لكن أولوية هذه الاهداف هذه قضية متعلقة بعمل القوات المسلحة ذاتها، لكن أتوقع أن يتم العمل قريبا في ريف دمشق لتخليص ريف دمشق من كل تلك العصابات ىالمسلحة، وهذا لا يعني أن تتوقف العمليات في مكان آخر بل قسم من القوات بكل تأكيد سيتابع تطهير ريف حمص ومتجها شمالا باتجاه حلب. سؤال: سيادة العميد كانت هناك أيضا من جهة المعارضة تصريحات نارية وقاسيةن وأعلنت السلطات السورية أنها ستطهر الأراضي السورية من المسلحين، بينما أعلنت المعارضة المسلحةأن الثورة في سوريا سوف تستكمل بغض النظر عن سقوط القصير، وهم اعترفوا أيضا، فكيف تعلقون على ذلك؟ ألا يؤدي هذا إلى احتدام النزاع أكثر في ظل هذه التطورات على الساحة؟ جواب: كما يقال أن الكلاب التي تنبح كثيرا لا تعض، أظن أن عملية القصير هي عملية قاصمة لظهر العصابات المسلحة وهذا لا يعني انتهاء العمليات العسكرية لتلك العصابات المسلحة، وستستمر هذه العمليات بشكل أو بآخر، ولكن الذي حدث في القصير هو تحول في مسار العمليات القتالية، لأن أحجار الدومينو يبدأ سقوطها من القصير، وبالتالي فإن سقوط القصير أفقد المسلحين جزءا كبيرا من إمكاناتهم العسكرية واللوجستية ووضعهم في خانة ضيقة جدا سواء في ريف دمشق أو في ريف حمص على أبعد تقدير. وهناك جانب لآخر أن العملية في القصير سوف تترك أثرها وبصمتها على كل المسلحين في سوريا، لأن القصير أعد الغرب لها بطريقة لتكون مركزا استراتيجيا للمسلحين. سؤال: هل لنا أن نعلم ما هي الوديعة الآن في يد الجيش السوري، وكانت هناك وعو بتقديمها على الإعلام السوري من شهادات للمقاتلين أو المسلحين وإظهار أمور أخرى لها علاقة بالقصير؟ جواب: أنا لا أريد أن أستبق الإعلام الرسمي بالتحدث عن هذا الأمر ومع ذلك سأقول لك أن عدد المسلحين الذين كانوا في القصير وفي خمسين قرية من مناطق القصير ما بين 8000 إلى 12000 مقاتل، والسوريون منهم لا يزيد عددهم عن 1500، ولك أن تقدر عدد الجنسيات الموجودة وحجم التدخل الذي كان موجودا والمعول عليهم، وربما الجنسيات الذي تحدث عنها الإعلام الرسمي هي جنسيات تركية وحتى اسرائيلية وخليجية، وهناك عدد لابأس به تم إلقاء القبض عليهم وقتل العدد الأكبر، والأهم بالأمر هي الوثائق التي ضبطت بحوزة هؤلاء وهي وثائق قد تحرج الكثير من الدول التي تتحدث عن الديمقراطية. سؤال: سيادة العميد في ضوء هذه التطورات ما الذي يمكن انتظاره إذا من مؤتمر جنيف-2 بخصوص سوريا والذي يعقد قريبا، أم أن الحل العسكري والانتصار على الأرض هو الحكم؟ جواب: منذ زمن طويل وعبر صوت روسيا كنت أؤكد لكم دائما أن المراهنين أو الذين يقولون لا يوجد حلا عسكريا في سوريا يقصدون بها أن الوضع الستاتيكي لتوازن القوى الموجود في سوريا، وهذا الكلام لم يكن دقيقا وكان وهم عاشه الكثيرون حتى من المحللين العسكريينز الجيش العربي السوري يمتلك طافات نارية هائلة ويمتلك خبرات هائلة ويستطيع حسم الأمور عسكريا وبسرعة ولكن الحقيقة أن الذي أخر تلك هذه العمليات هو قرار سياسي كانت تراه القيادة العسكرية في سوريا. المهم في الأمر أن الجيش العربي السوري سيتابع عملياته وسينهي الوضع بسرعة على ما أعتقد، ولن يكون هناك برأيي لا مؤتمر جنيف ولا واحد ولا اثنان ولا حتى خمسىة لسبب بسيط أنه ستكون الحكمة من انعقاد هذا المؤتمر قد تجاوزتها الأحداث على الأرض.