كنت خلال شهر رمضان ملازماً لوالدتي في أحد المستشفيات الخاصة بالخرطوم. في أحد المساءات الرطبة، فتح باب الأسانصير بطابق الحوادث، كان على المقعد المتحرك شاب ذو ملامح شرق أوسطية، على وجهه آثار اعتداء شرس ضاعت على إثره ملامح الوجه. عرفت في ما بعد أنه سوري تعرض لعملية نهب ليلي، استهدفت الحصول على موبايله الجلكسي فور، أهم مثيرات الغدة اللعابية هذه الأيام. وأثناء المقاومة تكالب اللصوص على الشاب، وأوسعوه ضرباً مبرحاً بآلات حادة، وأدخل الشاب إلى غرفة العمليات - شبه مغمى عليه - لا أعرف ماذا حدث بعد ذلك! في صفحتها المتميزة تنشر اليوم الأستاذة/ هاجر سليمان قصة خفير مزرعة، بترت رجله من قبل عصابات النيقروز، إثر هجومهم على المزرعة بغرض سرقة مولدات وموتورات وأجهزة كهربائية، واستيقظ الخفير، وحاول التصدي لهم، فقاموا بضربه بساطور على الرأس وعلى الساق، مما أدى إلى بترها ولاذوا بالفرار! وفي ذات الصفحة تنقل هاجر متابعة لخبر تفجير قنبلة قرنيت في صراع بين عصابات النقرز في ما بينها. وكتبت هاجر عن حملة كبرى قامت بها الشرطة على جميع أوكار عصابات النيقروز، وخلصت الحملة إلى القبض على (62) من عناصر تلك العصابات. واتضح من خلال التحريات أن المتفلتين لديهم أنشطة إجرامية في نهب المواطنين والاعتداء عليهم، وخطف الحقائب والموبايلات! كما أن ذات المجموعات المضبوطة اتضح أنها كانت تثير الرعب بمواقف المواصلات، وتتسبب في هروب مركبات النقل العام من المواقف، بسبب انتشارهم وترويعهم للركاب وسائقي المركبات، وتم تدوين بلاغات في مواجهتهم تحت المواد 77/69/65/139 ق ج بقسم شرطة دار السلام. بعد كل هذه الأخبار وغيرها، لا أجد سبباً واحداً لإنكار الشرطة وجود عصابات النقرز بالعاصمة؛ في مرات متعددة نفت الشرطة وجود هذه الظاهرة الخطيرة، وفي بعض المرات كانت تقلل وتهون منها وتصفها بالمحدودة! مثل هذه العصابات موجودة في عدد من العواصم الأفريقية والعربية، وحتى في أمريكا فلا حرج أن تكون موجودة في الخرطوم! ليس من الفطنة محاربة الظواهر بإنكارها أو التهوين منها، حتى لا يتم الاتهام بالقصور والتراخي، وتترتب على ذلك مسؤولية سياسية! من الإنصاف القول إن التحديات الأمنية التي تواجه الشرطة، أكبر من إمكانياتها وطاقتها، وليس بمقدورها أن تبسط كامل سيطرتها على كل الأحياء والطرقات في الخرطوم، التي أصبحت أكبر من (كرش الفيل)! الشرطة موكل لها التعامل مع أخطاء آخرين من (سياسيين واقتصاديين)، وتقصير مؤسسات (دينية واجتماعية وتربوية)، وما يترتب على الأخطاء والتقصير من مخاطر أمنية. ومع ذلك من واجب الشرطة الاعتراف بالأزمات والظواهر، وعدم دسِّ الرؤوس في الرمال. الاعتراف بالأزمة أول خطوة في طريق حلها. الخرطوم : ضياء الدين بلال : رئيس تحرير السوداني