عادة يبدأ حل المعادلات المعقدة برصد المعطيات (Given) ثم تصنيفها الى ثوابت (Constants) ومتغيرات (Variables) والثوابت هي تلك التي لا نملك التحكم فيها بصورة كاملة، والتي غالباً ما تكون بها عناصر خارجة عن إرادتنا، والمتغيرات هي تلك التي نملك القدرة على تعديلها وفق إرادتنا- في وضع السودان الحالي نرصد المعطيات التالية وهي حقائق لا تقبل الجدل وعددها تسع: تصاعد الحرب في دارفور- تغيير الموقف الأمريكي من اتفاقات الدوحة- المهلة القصيرة لحسم مفاوضات قطاع الشمال- بيان مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي شمل لأول مرة تدخله في الحوار الشامل الداخلي- الحصار الإقتصادي الجديد وتقييد حركة التعاملات البنكية- موقف المملكة العربية السعودية من حركة الأخوان المسلمين واعتبارها جماعة إرهابية- تأرجح مواقف أحزاب المعارضة من دعوة الحوار الشامل وفق خطاب الرئيس- تصاعد أسعار السلع ومعاناة المواطنين- السياسة الخارجية.. من هذه المعطيات التسع نحدد أربعة متغيرات في مقدورنا تعديلها والخمس الباقية نعتبرها ثوابت لا نملك القدرة الكاملة على تعديلها، لأن بها عناصر وأطراف لا نستطيع التأثير عليها.. والأربع متغيرات هي: موقفنا في مفاوضات قطاع الشمال- مواقف أحزاب المعارضة والتي تقبل الحوار من حيث المبدأ وتريد تفاصيل وتأكيدات أكثر- تصاعد الأسعار ومعاناة المواطنين- السياسة الخارجية- فيما يتعلق بالمهلة الأخيرة التي حددها مجلس السلم والأمن الأفريقي وهي 45 يوماً من الآن، آمل أن تتغير الاستراتيجية تماماً والتعامل بكل جدية منذ اليوم الأول للمهلة وفق خريطة طريق محكومة بمواقيت دقيقة حتى نكسب نقاطاً بإحراز أهداف في هذا الشوط النهائي للماراثون التفاوضي مع قطاع الشمال، والذي يحظى-أي قطاع الشمال- بتعاطف واضح من حكام المباراة، والمباراة خارج أرضنا- تبدأ خريطة الطريق بمخاطبة الآلية الأفريقية وتقديم مقترح بتقسيم التفاوض الى ثلاث مراحل، كل مرحلة عشرة أيام، على أن يقدم المقترح فوراً وخلال هذا الأسبوع تُمنح فيه الآلية الخمسة عشر يوماً الأولى- أي حتى نهاية مارس الحالي- لتلقي المقترح وعرضه على قطاع الشمال والرد عليه- والمقترح هو: أولاً: المرحلة الأولى من التفاوض ومدتها عشرة أيام تكون قاصرة على ثلاث قيادات من الحكومة وثلاث قيادات من قطاع الشمال، يكون كل المطلوب من هذه المرحلة الحسم والاتفاق على متطلبات المادة (2) من الإطارية والمادة (9) منها أيضاً المادة (2) تؤكد موافقة الطرفين على استمرار قطاع الشمال كحزب قانوني في جمهورية السودان، والمادة (9) تؤكد موافقة الطرفين على أن لجمهورية السودان جيش قومي واحد وعليه يتم دمج وتسريح قوات الفرقتين 9 و10 من الجيش الشعبي في القوات المسلحة السودانية، والقوات النظامية الأخرى، والخدمة المدنية وتسريح الباقي- إذا لم يتم الإتفاق في المرحلة الأولى هذه تفض المفاوضات نهائياً ويرفع الأمر الى الأممالمتحدة، إذ لا معنى للانتقال الى المرحلة الثانية. ثانياً: تبدأ المرحلة الثانية من التفاوض مباشرة بعد الإتفاق على مقررات المرحلة الأولى- تبدأ المرحلة الثانية ومدتها عشرة أيام أخرى بمشاركة كل أعضاء الفريقين ولكن تكون مرحلة أربع لجان متخصصة على النحو التالي: اللجنة الأولى تختص بالاتفاق على متطلبات المادة (3) من الإطارية بفقراتها التسع، والمتعلقة بالمسائل السياسية الخاصة بالمنطقتين بمرجعية كل ما ورد في اتفاقية السلام الشامل فيما يتعلق بالمنطقتين. اللجنة الثانية وهي قاصرة على مفاوضين من الطرفين من جنوب كردفان فقط، وذلك للاتفاق على ما ورد من اتفاق في الإطارية المادة (4) التي تطالب بمناقشة موضوع هياكل الحكم في جنوب كردفان، وذلك للتعقيدات المعلومة في تركيبة جنوب كردفان السكانية والجغرافية والتاريخية والتنوع الطبيعي. اللجنة الثالثة تختص بمتطلبات المادة (5) من الإطارية بفقراتها السبع، والتي تؤكد الاتفاق على وضع خاص للمنطقتين وفق ما جاء بالمشورة الشعبية- حسب ما جاء في اتفاقية السلام الشامل يناير 2005.م. اللجنة الرابعة وتختص بالاتفاق على ما جاء في المادة (6) من الإطارية بفقراتها الأربع، وهي مادة تتحدث عن المسائل القومية التي تهم كل السودانيين بما فيهم قطاع الشمال، وهي المسائل القومية التي طرحها الرئيس في خطابه، والتي سوف يتم التحاور فيها داخل السودان مع كل الأحزاب وبالطبع قطاع الشمال إذا تم التوصل إلى اتفاق في أو قبل الثلاثين من أبريل كما حدد الاتحاد الأفريقي. هذه اللجنة يمكن أن تواصل عملها وحوارها داخل السودان بعد 30/4 إذا تم الاتفاق. المرحلة الثالثة وهي من 20/4 الى 30/4/2014 يتم فيها الإتفاق النهائي وتلخيص ما تم الاتفاق عليه في المرحلتين الأولى والثانية، واعداد جداول زمنية واتفاقية إطارية جديدة، وكل ذلك يتوقف على الاتفاق في المرحلة الأولى، إذ أنه في حالة التوافق على استمرار قطاع الشمال كحزب قانوني والتوافق على حل ودمج قوات قطاع الشمال كحزب قانوني والتوافق على حل ودمج قوات قطاع الشمال سوف تتوقف- وبالضرورة- كل الحروبات في المنطقتين وتتوقف أيضاً الحروب الكلامية، وينخرط الجميع في التفاصيل بروح جديدة مفضية للحل الودي. هذا المتغير (مفاوضات قطاع الشمال) إذا تم تجاوزه سوف يؤثر إيجاباً في كل المتغيرات الأخرى، خاصة مواقف أحزاب المعارضة المتوجسة من جدية المؤتمر الوطني في طرحه- المتغير الثالث والخاص بمعاناة المواطنين وصعوبة الحصول على القوت والخدمات مرتبط بصورة مباشرة بالمتغير الرابع وهو السياسة الخارجية، إذ أنه بات من الضروري العمل العاجل والجاد الى التغيير الجذري في سياستنا الخارجية، والتي تبدأ بالعمل بكل الوسائل الى إعادة علاقاتنا التاريخية مع المملكة العربية السعودية- الامارات- الكويت- البحرين- وسلطنة عمان.. وهذا يأتي بالطرح الموضوعي والإلتزام بكل ما نطرحه، ثم بعد ذلك يجب تطبيع علاقاتنا مع أمريكا ونبتعد عن نظرية المؤامرة، ونعلم أن أمريكا لديها أولويات في كل العالم يأتي السودان في مؤخرة أولوياتها، على سبيل المثال مشكلة أوكرانيا واحتمالات حرب عالمية ثالثة، ثم مشكلة الكوريتين المزمنة، ومشاكل الشرق الأوسط المتصاعدة، وإيران ونشاطها النووي، والشرق الأقصى، واسرائيل إضافة الى مشاكلها الداخلية. المسألة المهمة والخطيرة هي تصاعد العمل العسكري في دارفور، والذي لفت الأنظار هذه الأيام خاصة فيما يتعلق بالجانب الإنساني ومعاناة المدنيين الأبرياء، وهذا أمر حساس وخطير يؤدي دائماً الى التدخل الأممي العسكري، خاصة ونحن في جزء من السودان تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، والذي يخول للأمين العام للأمم المتحدة- وليس مجلس الأمن- إصدار أوامره لأية دولة بالتدخل العسكري وفق قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع مثل القرار 2046. مشكلة دارفور لا يمكن حلها إلا من خلال إعادة هيكلة حكم السودان في أقاليم كبرى فدرالية- هيكل حكم فدرالي مشابه لحكم جنوب السودان في الفترة من 2005 الى 2011م حسب بنود اتفاقية السلام الشامل، وهذا يتطلب الإرتقاء الى جولة جديدة للمفاوضات لا تلغي اتفاق الدوحة بل تكون إضافة جديدة تستوعب المتغيرات والواقع الحالي على أرض دارفور تماماً، كما حدث عندما تم الإرتقاء من أبوجا الى الدوحة. صحيفة آخر لحظة عمر البكري أبو حراز