كيف لا السكّر و»الجاز» وعجائب لا تنقضي منى عبد الفتاح حينما كان عوض أحمد الجاز وزيراً للطاقة والتعدين، حملت وزارته شيئاً من اسمه حيث بدأت الصناعة النفطية السودانية الحديثة في عهده وتمنى الناس أن يدوم عهده حتى يشهدوا خير النفط بعد أن شهدوا جعجعة ثورته. وعندما تم تعيينه وزيراً للصناعة لم يبعد كثيراً خاصة عندما ظهر مؤخراً زائراً متفقداً لمصانع السكر ومولياً اهتمامه لمصنع سكر كنانة قبل بداية موسم الانتاج، صاباً عظيم اهتمامه في الوقوف على استعدادات استقبال الموسم. هذه السلعة الاستراتيجية المحيرة يراها المواطنون عيداناً تنمو أمام ناظريهم وإلى أن يمر بكل عمليات تصنيعه، ثم إلى وصوله إلى شكله النهائي في حبيبات بيضاء وأخرى سمراء، لا ينال منها إلا المواطن القادر المستطيع دفع 2000 جنيهاً أو تزيد. هذه الصناعة التي بدأت تاريخياً منذ منذ عام 327 ق. م، عندما قام جنود الإسكندر المقدوني خلال إشرافهم على مزارع قصب السكر في الهند بالاستفادة من خبرة السكان المحليين في عصر نبات القصب وتكثيف العصير وبلورته. ومنذ ذلك الزمن مروراً ببدء إنتاج السكر عام 1747م في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم 1803م في بولندا، و1805م في مصر مروراً بكوبا والبرازيل والصين وفرنسا، الدول الرائدة في صناعة السكر، لم تبدأ صناعته في السودان إلا في ستينيات القرن الماضي، رغم تأهل السودان لهذه الصناعة بامتلاكه لمقومات الإنتاج الأساسية من قصب السكر إلى جانب تكلفة الإنتاج المنخفضة مقارنة بالسعر العالمي. هذه الميزة النسبية رغم تأخر الدخول في هذه الصناعة إلا أنها خلقت فرصاً استثمارية واسعة في مجال صناعة السكر في السودان ولكنه استثمار مما يبدو عليه أنه لفئة معينة ظهر في رفاهية العيش والمباني الفارهة لكل من ارتبط اسمه بكنانة. كل السكر في السودان هو كنانة رغم وجود أربعة مصانع سكر غيرها في السودان هي الجنيد وعسلاية وحلفا الجديدة وسنار. وهذه الكنانة التي قامت برأس مال عربي وأجنبي بالإضافة إلى رأس المال السوداني فهي تقوم حسب التقارير الرسمية بإنتاج أكثر من 300 ألف طن لتغطية الاستهلاك المحلي من السكر في السودان، ووفقاً لهذا تنفي شركة السكر السودانية وجود فجوة تستدعي ارتفاع الأسعار، أما الواقع فيسجل ارتفاع سعر سلعة السكر ب100%. وفي نفس الوقت صرحت شركة السكر السودانية في وقت سابق على لسان مدير القطاع الفني فاروق النص بأن الزيادة الطارئة في أسعار السكر غير مبررة رغم أن الإنتاج المحلي من السكر يقدر ب300 ألف طن بينما الاستهلاك يقدر بأكثر من مليون طن وأن المعالجات تتم بزيادة الاستيراد لسد العجز بين الاستهلاك والإنتاج. وما دام الإنتاج لا يغطي حجم الاستهلاك المحلي إذن ما الحكمة من تصدير ناتج السودان من السكر إلى السعودية مثلاً ثم اللجوء إلى استيراده من السوق العالمية. هذه هي دهشتي الأخرى وأنا أقف فيها عاجزة عن فهم معضلة السكر. ففي فترة الثمانينيات ونحن أطفال صغار كنا نشاهد الكبار صباحاً يصرون على ارتشاف الشاي مع حبات التمر الناشف غير مستسلمين لانعدام السكر ويشبهونه في مجالسهم بالفيلم الأجنبي الذي يصعب متابعة ترجمته السريعة مع مشاهدة الصورة، بينما في المساء كنا نستمتع بالتهام باسطة «سلا»! من يفسر لي هذا اللغز؟ الآن نحن في السعودية نستمتع باستهلاك السكر السوداني المتوفر في الأسواق بتعبئة سعودية راقية وأسماء تجارية لا تدل على أن هذا المنتج يمت إلى السودان بصلة، وبأقل من نصف سعره في السودان! هذه مناسبة للاستغراب فقط وليس للحديث عن وفرة بقية المنتجات الزراعية هنا في بلد غير زراعي. ولا مناسبة أيضاً للمقارنة بين طماطم السودان المقطوفة من أرضه والمروية من مياه نيله والتي تباع بأربعة أضعاف سعر طماطم السعودية المستوردة، وإنما مناسبة للتعجب في بلد عجائبه لا تنقضي. الأحداث