- لندن [email protected] في صيف عام 1991 ساقتني قدماي الى الهايد بارك (speaker corner) اذ انها تقع على مرمى حجر من حيث اسكن وكنت حديث عهد ببريطانيا ولندن والغرب بصفة عامة اذ هو اول صيف لي في هذه البلد المرحابه .. وانا اتجول بنظري هنا وهناك اسرتني تلك المناظر الخلابه ... منظر النجيله ممتده مد البصر والزهورالجميله باشكالها والوانها ومسمياتها المختلفه والاشجار الكبيره الظليله واناس يجلسون هنا وهناك وحبايب يتعانقون ( نص النهار على عينك ياتاجر )وانا اسرق البصر مرة واغضه اخرى خجلا وحياءا مما اراه .. ولكن انه الغرب اقول لنفسي انها لندن .. يتجمع العرق في جبيني فأمسحه واذهب الى حال سبيلي لا عنا ما اراه حتى لا ادخل في زمرة الذين يرون الفحشاء فلا يحركون ساكنا .. المهم وانا اتجول ساقتني قدماي الى هذا الكورنر العجيب .. وجدت الخطباء كل منهم يعتلي منبرا مصنوعا يدويا او سلما يرتقي به حتى يصل صوته الى اكبر عدد من المستمعين هذا يتحدث عن المسيح وذلك يتحدث في السياسة واخر يتحدث عن حقوق الانسان واخر عن حقوق الشواذ جنسيا ووووو.. المواضيع كثيرة الى ان لفت احدهم انتباهي وهو اسيوي الملامح .. كان يشتم شتيمة قويه ونابيه وبأعلى صوته وجدته يشتم الانجليز ويصفهم بانهم جميعهم ابناء غير شرعيين ويفتخر بنسبه وحسبه وانه ابن( حلال ) وانه مسلم ويعرف اسم ابيه واسم جده واسم جد جده وكل شجرة عائلته وفوجئت وهو يتحدث الى( انجليزي حر سيد بلد ) ويقول له هل تعرف من ابوك .. فأجابه الرجل ..طبعا اعرف من ابي .. اجابه الاسيوي .. لا تجزم بذلك اسأل امك من هو ابوك لان امهاتكم.. لهن اربعة عشر( بوي فرند ).. تململت في وقفتي وتحركت ذات اليمين وذات الشمال وهيأت نفسي لان اكون ( حجازا) في هذه المشكله القادمه لابد انه سيكون هناك عراكا.. فواجبي ان اطيب الخوطر وافض ذلك الاشتباك سريعا .. (هكذا تعلمنا في السودان ) ولكن شيئا من ذلك لم يحدث نظرت الى الخواجة فوجدته لم يحرك ساكنا او حتى اثارا للانفعال .. استعجبت وعرفت معنى كلمة ديوسا في تلك اللحظه .. ومازال الحوار جاريا والخطب الناريه من صاحبنا الاسيوي مستمره وانظر الى من حولي عسى ان اجد احدهم مندهش مثلى او اجد اي رد فعل .. ولكن هيهات لم يحدث اي شيء مما كنت اتوقع .. ثم عرّج بحديثه فبدأ يشتم في رئيس الوزراء ..ووزير الخارجية والمالية وعمدة لندن والاتصالات والمواصلات الشرطه ووزير الداخلية ويتهمهم بالنعصريه ثم ميل على الملكة ولم ينسي الامير او الاميره ديانا او الاسره الحاكمه باثرها ..( لم يغادر منهم احدا ) .. تذكرت قول احدهم وهو يهجو الشعراء جميعا ..( اعددت للشعراء سما ناقعا فسقيت اخرهم بكأس الاول) حينها تملكني الخوف وبدأت انظر ذات اليمين وذات الشمال .. لابد ان يكون هناك بوليس( سري) الان يستمع الى هذه الشتائم .. ياترى من منهم البوليس السري الذي سوف يلقي القبض على هذا المفترى الجريء وربما يقبض علي انا ايضا لان الخطيب كان كانه يعرفني يوجه حديثه الي .. ينظر الي ويتحدث .. تجولت بنظري وقلت في نفسي هذه ( مشكله جاهزه ) ترى اين هو رجل الامن .. ؟ لابد انه هذا الرجل الذي كان ينظر اليه ثم ينظر الي نعم هو او ربما ذلك الرجل الابيض ذو الشارب الكبير .. نعم لابد انه هو يشبه رجال المباحث الذين نراهم في الافلام الانجليزيه .. او لابد ان تكون هناك كاميرا هذه بلد متحضرة ( لاحوله ولا قوة الا بالله ) ما الذي اتى بي اليوم .. حتما ستكون هناك حمله او ( كشه كما يسمونها اهل جده ) ترى ماذا سأقول لهم عندما يقبض علينا في نقطة البوليس (police station ) والله حكاية عجيبه وورطه كبيرة .. واصبحت اتجول بنظري ذات اليمين وذات الشمال وكنت مسكونا بالخوف .. اذ اني جديد عهد بهذه البلد .. حضرت من السودان وكانت بيوت الاشباح في اوجها .. وارهاب المواطن شيء عادي .. وتذكرت خطب فلان الفلاني وتهديد فلان الفلاني ورجال الامن في السودان وتهديد المسؤلين لخلق الله .. توجست خيفة وقررت ان ( اتخارج ) مسرعا من هذه المنطقة حفاظا على نفسي قبل ان تقع (الطامه الكبرى ) قررت الانسحاب سريعا .. وفعلا تقهقرت خطوة بخطوه حتى ابتعدت عن هذا الرجل الكارثه وانا انظر اليه بعيون جاحظه كأنها ترى الموت أمامها والى من حوله .. وهل ذلك الرجل الذي كان عن يميني يلحظني ام لا ؟ او ذلك الخواجه ذو الشارب الكثيف هل كان يتبعني ؟ لا سيما وان الرجل الاسيوي الخطيب كان يخطب ويشتم في الدوله وكل البريطانيين عن بكرة ابيهم وكان ينظر الي وكأننا متفقين اوكأني اوافقه على ذلك .. لم يلحظ احد انسحابي .. جلست بعيدا بعيدا الحظ الذي يجري وكنت في مأمن اذ لم الاحظ ان هناك من يتبعني وحمدت الله على ذلك كثيرا.. كان وقت الغروب قد ازف معلنا انتهاء الخطب .. ونزل الاسيوي من منبره حامله على كتفه وانا اتبعه من بعيد حتى لا يفوت علي منظر اعتقاله من قبل اجهزة الامن .. ذهب .. فسرت خلفه ..وقف في محطة البص وانا اراقبه من بعيد.. الى ان ركب البص .. ولم يتعرض لاي اعتقال .. ثم قابلت صديقا فقصصت عليه ماجرى .. ابتسم وقال لي هذه هي الديمقراطيه .. تعجبت وقلت في نفسي سبحان الله ( الديمقرطيه كده ولا بلاش )