هذا الوزير وهذه الوزارة لا يبغيان سوى الفتنة !!!. صديق عبد الهادي هذا هو طرف اللهيب فقط ذاك الذي أخرجته كوة \"الأهرام\"، إذ تداعى الآلاف من الوطنيين من أبناء وبنات السودان في حملةٍ غير مسبوقة. ومما يثلج الصدر أن الأمر لم يعد خاصة مواطني الجزيرة أو مزارعيها أو ملاك أرضها أو أبنائها وبناتها، وإنما حقيقة أنه كان تداعياً وطنياً جامعاً وواعياً. ينبئ كل ذلك الزلزال، الذي أحدثته أصوات الاحتجاج إثر انكشاف جريمة التوقيع بواسطة عبد الحليم المتعافي على صفقة بيع أراضي مشروع الجزيرة، بأن هذا النوع من الحريق يلتهم أول منْ يلتهم منْ يشعله، قبل أن يمس أهداب وأطراف الآخرين!!!. النافذون في هذه السلطة لم يتعلموا من تجاربهم المأساوية خلال العشرين سنة المنصرمة، ففي كل مرة يشعلون الحرائق، ومن ثم تدور دائرتهم ليعودوا للجلوس فوق رماد خرائبها لأجل إنقاذ ما يتوهمون بأنه ممكن وباقِ!!!، خمسة عشر سنة من الحروب \"المقدسة\" الهوجاء، وخمسة أخريات، من بعد اتفاق السلام في يناير 2005م، أنفقوها في الابتزاز والمماحكة والالتفاف عوضاً عن المواجهة المسئولة لقضايا المصير، ليعودوا وفي سعيٍ يفتقر للذكاء لينجزوا، وفي وقتٍ ضائع، ما يضارع المستحيل...الوحدة الجاذبة !!!. والآن وكأننا بهم يعيدون الكَََرَةَ في شأن مشروع الجزيرة والذي هو وبكل المقاييس قضية وطنية من الدرجة فوق الأولى. إن قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م، قانون سلطة الإنقاذ نفسها، والذي ما هو سوى التعبير القانوني لتحالف رأسماليتها الإسلامية الطفيلية والمؤسسات والدوائر الغربية ووكلائها !!!، والذي لم يعد قادراً على كبح جماحها وانفلات نافذيها، هو المرجع الأمين للمتعافي بالرغم من انه، أي المتعافي، فوق الدولة نفسها وقانونها!!!. إنه لابد من معرفة حقيقة أن ذلك التصرف المتمثل في توقيع الاتفاق الأخير لبيع مشروع الجزيرة ليس فقط أمرٌ يبيحه قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م، وإنما هو في الأساس يمثل الهدف الرئيس الذي من اجله تمت صياغة ذلك القانون!!!. لا يبدو، وإنما في حقيقة الأمر يتصرف وزير زراعة السلطة، عبد الحليم المتعافي، باعتبار انه \"بطلاً للتغيير\"!!!. وهي مقولة مسمومة رمى بها احد خبراء البنك الدولي ، وهو \"جان فان هوست بيليكآن\" في احد سمنارات الإعداد لتقرير البنك الدولي المعروف ب \"السودان: خيارات التنمية المستدامة في مشروع الجزيرة\". والذي على أساسه تمت صياغة قانون سنة 2005م. رمى بها في وجه نافذي الإنقاذ فألتقطها المتعافي بحس \"التاجر\" ، وابتلعها في ارتياح لا يحسد عليه!!!. لم يصبح المتعافي وزيراً للزراعة بمحض الصدفة وإنما لان منْ سك مقولة \"بطل التغيير\"، اي \"جان بيليكآن\" كان أن ربطها ربطاً محكماً بمنصب \"وزير الزراعة\"!!!. فالمقولة نفسها حين تبناها المستر\"جان\" كان يعلم تماماً انه لم يقصد محتواها الذي اندرج في علوم الاجتماع والسياسة أو علوم المال والاستثمار، وإنما قصد بها هدف إنجاز خصخصة مشروع الجزيرة، وذلك هو ما يجري الآن، والذي يكاد أن يشارف نهاياته. إن الحقيقة الماثلة والتي يجب ألا تغيب عن البال هي أن الاتفاق مع المصريين قد تمَّ توقيعه إن كان قد أنكرته وزاره الزراعة أم لمْ!!!، بل وستكون هناك اتفاقات كثيرة أخرى قد تمَّ توقيعها. وذلك ما ستكشف عنه الأيام القادمة !!!. إن المصريين أكثر حرصاً على مصالح مصر من حرص وزارة الزراعة السودانية ووزيرها على مصالح السودان الوطنية. فالمصريون لن يقدموا على تهديد خططهم التي ترتبط بمصالح بلدهم العليا بتصريحٍ اخرق منبتْ!!!. إن البيان البائس الذي أصدرته وزارة الزراعة في السودان يؤكد تمام التأكيد ما نشرته جريدة الأهرام، جريدة الحكومة المصرية، وذلك بالرغم من محاولات دس الحقائق في طيات السرد والحكي الممجوج عن العلاقات بين البلدين ، وكذلك \"غطغطتها\" تحت الصياغات اللغوية الفارغة التي عُرِفتْ بها الإنقاذ من شاكلة \"متابعة لتلك الجهود للتحول للشراكة التجارية تقدم الجانب المصري بمقترح مشروع بروتكول تعاون في صورة زراعات تعاقدية في مجال الاستثمار الزراعي في مشروع الجزيرة...الخ\"!!!. ولنا أن نتساءل وما هي \"الزراعات التعاقدية\"؟ وكيف؟!!!. يستبعد المرء، حين النظر إلى الوضع الحالي والذي يعيشه السودان الآن، أن تجرؤ السلطة، أو أي سلطة، على المضي قدماً في وضع حدٍ متعسف لقضايا هي ليست محل خلاف وحسب وإنما هي بذرة لحدوث كارثة ستقود إلى الجحيم. كيف يمكن لسلطة تجهد، ولو بهتاناً، في تسويق \"حرصها\" على تقريب الشقة المتسعة كل يوم بينها وبين أطراف أخرى من الوطن في أن تسعى إلى إعطاء ارضٍ من جزء آخر من الوطن لأجانب، وملاك الأرض أنفسهم لهم مستحقات عن هذه الأرض في عنق السلطة ولمدةٍ فاقت الخمسة واربعين سنة بالتمام وبالكمال؟!!!. أما كان من الأجدى لوزير الزراعة ولوزارة الزراعة أن يعقدا برتكولاً ويوقعا اتفاقا مع أهل مشروع الجزيرة قبل الذهاب إلى المصريين والجلوس معهم؟!!!. إنهما وبالاتفاق مع المصريين، ومهما يكن ذلك الاتفاق، لا يسعيان إلى خير هذا البلد وإنما يبغيان فتنة عمياء !!!. إن مسالة استقدام القطاع الخاص المصري هي البرزخ لاستقدام القطاع الخاص الأجنبي. يعتقد استراتيجو الإنقاذ أن استقدام المصريين إلى مشروع الجزيرة هو الخطوة الأولى لقبول الوجود المكثف للقطاع الخاص الأجنبي الآخر فيه. ولكن لابد أن يعلم وزير الزراعة ووزارة الزراعة أن القطاع الخاص المصري هو قطاع خاص أجنبي، كذلك، لحماً ودماً وتطلعاً!!!. ولكن قد لا يحتاج أولئك الإستراتيجيون لكل ذلك، لو يعلمون، لان قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م وبصياغته الماكرة قد وفر عليهم ذلك الجهد لأنه أشار إلى القطاع الخاص في ثلاث من مواده الأساسية حيث نص في الفصل الثاني، المادة(2) على: \"(2) تمتلك الدولة ممثلة في وزارة المالية والاقتصاد الوطني الأصول الحالية للمشروع مع جواز فتح المجال مستقبلاً للقطاع الخاص للمشاركة في الاستثمار سواء في أصول المشروع أو إضافة استثمارات جديدة\". ويقول كذلك في المادة (3) من نفس الفصل: \"(3) يتكون مشروع الجزيرة من: أ المزارعين. ب الحكومة متمثلة في وحداتها التي تقدم الخدمات الأساسية من ضمنها التنمية والري والسلع العامة التي تشمل البحوث ووقاية النباتات و التقانة و الإرشاد والدراسات و الدراسات الفنية والتدريب إضافة إلى الإدارة الإشرافية والتخطيط التأشيري. ج القطاع الخاص بما يقدمه من خدمات تجارية مساعدة\". ويورد كذلك تحت أهداف المشروع في الفصل الثاني نفسه وتحت المادة (5): \"إتاحة الفرصة للقطاع الخاص ليلعب دوراً رائداً في تقديم الخدمات التجارية المساعدة في إطار تنافسي\". قد يكون أن لاحظ القارئ أن كل المواد التي أشارت إلى القطاع الخاص لم تُعنى بشأن التمييز المتعلق بالقطاع الخاص. إن القطاع الخاص \"خشم بيوت\" ، وهو في حده الأدنى والمعروف أن هناك قطاع خاص \"وطني\" وآخر \"أجنبي\"، وذلك أمر لا يحتاج لاقتصادي ضليع لأجل فرزه، إلا أن قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م جاء بتلك الصياغات المبهمة عن قصد، وذلك لفتح الباب للقطاع الخاص، أي القطاع الخاص مما \"جميعه\"!!!. فلو تجرأ المرء بالسؤال عن استقدام القطاع الخاص \"الأجنبي\" مصرياً كان آو غيره، وعن مدى قانونيته فإنه لن يستطيع معارضة هذا الآمر بالاحتكام إلى قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م، لأنه، أي القانون، لم يميز بين \"الوطني\" و\"الأجنبي\" في تناوله لمسالة مشاركة القطاع الخاص، تلك المشاركة التي يمكن أن تصل إلى حد \"المشاركة في الاستثمار سواء من أصول المشروع أو إضافة استثمارات جديدة للمشروع\". كما ورد في المادة (2) أعلاه. إن حملة التصدي لتصفية مشروع الجزيرة لابد أن تبدأ بإلغاء ذلك القانون الكارثة، ومن ثمَّ بالتمسك بحقيقة أن مشروع الجزيرة هو مشروع سيادي، وبأنه قضية وطنية من الدرجة فوق الأولى. ولابد من التأكيد كذلك بأن مستقبل السودان واستقراره مربوطٌ باستقرار مشروع الجزيرة. سؤالٌ لأحزاب الإجماع الوطني/ ما الذي تريدون توفره لإقناعكم بضرورة إدراج قضية مشروع الجزيرة ضمن المحاور الأساسية لمؤتمركم الجامع القادم؟!!!. (*) جريدة الايام، .