[email protected] كل الوقائع تشير بقوة ان انفصال الجنوب عن الشمال اصبح وشيكا ان لم تحدث معجزة ويصوت كل ذوى البشرة السمراء هنا وهناك لصالح الوحدة وبأسماء مزورة قد لا تعجز حكومة عالم ثالث من ان تقترفها بسهولة . وحقيقة فقد لا يلوم المرء اخوتنا الجنوبيون فى خياراهم للانفصال وقد عانوا طويلا فى بلاد ظلت تهمشهم فى نواحى الحياة ناهيك عن تلك الحروب الطويلة والتى رسخت روح العداء بين الجنوبى والشمالى . كذلك ساهم الاستعمار بقصد او دون قصد فى فى ابقاء هذا الجزء من الوطن غريبا وعصيا على حديث رسول الله : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه , ولقد استطاع الكثير من الاباء بمساعدة من مجلس الكنائس العالمى من تنصير الجنوبيون , ولعل ما يحزن اكثر ان الكثير من الاصوات النشاز شمالا وجنوبا اصبحت تقود بلادنا الى مجاهل لا بحمد عقباها فى وقت انزوى كل العقلاء وآثروا صمتا اشبه بصمت القبور , ولقد ادهشنى كثيرا تصريح مسئول حكومى بأن الجنوبيون فى الشمال ستنزع عنهم كل الحقوق حين يكون الانفصال كذلك صرح مسئول جنوبى ان الجنوب لن يمنح الشمال جالونا واحدا من البنزين , كل هذا ان دل على شيئ ان ما يدل على ان السودان مقدم على ايام حزينة وكالحة وربما تندلع حربا جديدة قد تأكل الاخضر واليابس فى وقت حمد الشعب كله انتهاء ذلك التقاتل الشرس الذى ظل مستعرا لاكثر من اربعون عاما , ما كان يتمناه المرء ان يبقى السودان متوحدا يراعى فيه اهل الشمال حقوق اهل الجنوب ودون تهميش او اقصاء ولكن يظل التاريخ شاهدا على اخطاء الماضى وحين كان حكام الجنوب لا يبارحون الخرطوم حيث النعيم المقيم وكل ثروات الجنوب قابعة فى البنوك تاركة جوبا وملكال وواو وكأنها قرى من العصور الوسطى لا تنعم بأمتياز ات المدنية الحديثة , حقيقة لقد اهدرت اموال كثيرة كانت ترصد قديما للجنوب ويحمل وزرها ساسة ينتمون لتلك النواحى , قرار الانفصال قرار قاس سيحزن له كل السودانيون وخريطة بلادهم تتناقص وقد كانت مبعث فخر للجميع بأن السودان هو اكبر قطر فى افريقيا , وحين ينقطع ذلك الجزء الغالى من الوطن ستفقد تلك الخريطة خاصيتها التاريخية والتى ربما ستتضاءل اكثر واكثر وحين يفاجأ السودانيون لمطالبات مماثلة من اهل دارفور ومن ثم الشرق ومن ثم الشمال ليصبح السودان فى مقبل التاريخ وقد تفتت الى دويلات اشبه بدويلات ملوك طوائف السودان والتى انقسمت إلى دويلات صغيرة، وإمارات مستقلة، وأعلن كل أمير نفسه ملكا، ودخلت الأندلس في عصر جديد، عُرف باسم ملوك الطوائف ، حيث كانت البلاد تعانى من تمزق وانحلال، ولم يكن يربط بين ملوك دول الطوائف رباط مودة، أو وشائج ، وإنما نفخ الشيطان في روعهم فجعلهم في شقاق مستمر، يقاتل بعضهم بعضا، وينتزع القوي منهم ما في يد الضعيف، ويتحالفون والنصارى ضد بعضهم البعض دون وازع من دين او خلق وفي الوقت الذي كانت تجري فيه أحوال ملوك الطوائف على هذا النحو المهين كانت النصرانية في شمال الأندلس تتماسك ويتّحد ملوكها، فتحقق لهم النصر في كثير من المواطن، لا عن قوة منهم وحسن إعداد، وإنما عن ضعف ألَمَّ بالمسلمين، وفرّق كلمتهم، وكان يحكم أسبانيا آنذاك ملك طموح الهمة هو ألفونسو السادس والذي نجح في توحيد مملكتي قشتالة وليون، وسيطر على كل الممالك المسيحية ، وكان من ملوك المسلمون آنذاك المعتمد بن عباد والذى اسطاع بضعفه عقد اتفاقية مع الملك الفونسو ليعينه على باقى الملوك ولكن الفونسو الطموح ابتلع بجيشه كل ممالك الطوائف ومن ثم التفت على المعتمد بن عباد ليهزمه شر هزيمة غير آبه بالعهود والمواثيق التى كانت تربط بينهم وتم نفى المعتمد الى فاس , حليل خريطة السودان التى كانت