[email protected] المتفق عليه في ثنايا الشارع السوداني العريض والمكلوم في تاريخه الوطني والسياسي الحديث والى ما بعد مرحلة الاستقلال وحتى محنته الحالية التي يقف حيالها عند عتبة كارثة وطنية حقيقية يتجسد فيها مصير الوطن متشظيًا الى دولتين في حالة اختيار مواطني الجنوب للانفصال عن الجسد الكبير.. مما سيلقي بظلال من اليقين حول إمكانية اندياح مغريات التفتت في نفوس جهويات أخرى بانت ملامح ململتها المتمثلة في رفع السلاح هي الأخرى بدعوى التهميش من قبل المركز... إن كافة الفعاليات السياسية الوطنية قد عبثت في هذا التاريخ السياسي عبر تداولها السلمي المتقطع لسدة الحكم أو انتزاعها للسلطة عبر فوهات البنادق..ولا يستثنى من ذلك الطائفيون أو اليساريون أو العسكر بمختلف دوافعهم وتبريراتهم.. بيد أنه بمقياس الحسابات الزمنية لبقاء كل فصيل بصورة متصلة ومهيمنة على مجريات الأمور سواء عبر الحكم من الباطن كما دخلت الحركة الإسلامية الى عظام حكم مايو حينما بدأ ينخرها الوهن ومرورًا بإفشال أجندة الانتفاضة بتجيير صكوك الاستحقاق الانتخابي لمصلحتها وليس انتهاء بانقلاب يونيو 89 الذي دام حتى الآن لأكثر من عقدين من الزمان. إنها أي الحركة الإسلامية السياسية على وجه التحديد..وضعت الوطن على مفترق طرق تاريخي ومفصلي..فإن نصيبها وحدها يفوق حصة كل الآخرين في تحمل المسئولية فيما حاق بالبلاد من مستجدات تكالبت عليه تهدد جسده المُتهالك وعطلت خطوات مسيرته الوحدوية والتنموية...وضربت إسفينًا بين أبنائه من خلال التصنيف الجائر والتفرقة بينهم بإقصاء الكفاءات الوطنية المؤهلة لإدارة دفة الدولة وعلى كافة المستويات ..مقابل تولي العناصر الموالية التي قد لا ترقى من حيث الخبرة العلمية والعملية الى اعتلاء و تولي تلك المسئوليات في الظروف العادية.. لاسيما في المواقع الحساسة كالإعلام والخارجية وبعقليات نكصت بتلك المرافق الحساسة الى درك بات في كثير من الأحيان الارتفاع منه الى المستوى الذي وجد عليه من تطور في الأداء الرصين والمتزن...فقد قفز الإخوة الإسلاميون الذين كان يتلبسهم الوهم بأن علو كعبهم الفكري والعقائدي يعطيهم الحق كاملاً في جعل الوطن حقلاً لتجارب مشروعاتهم السياسية العقائدية الشمولية دون أن يكون للأمة حق اختيارهم الحر طالما أنهم يحملون الكتاب المقدس على صدورهم والسيف بيمينهم.. لقد كان مسمار سبتمبر 83 الذي دقته الحركة الإسلامية ومن والاها في جسد الوحدة الوطنية التي صاغ بنودها الخلصاء من أبناء هذا الوطن بمختلف توجهاتهم السياسية شماليين كانوا أم جنوبيين..هو قاصمة الظهر التي أوصلتنا الى هذا المفترق الذي قد يفضي بنا الى مصير قاتم يجعل كل أبواب الاحتمالات مفتوحة على مصارعها..وهو أمر بات مرعبًا حتى للذين خطّوا سطوره السوداء على صفحة الوطن فباتوا يلتمسون الألسن للحسة بدون جدوى حيث بات رباطًا كاثوليكيًا يصعب الفكاك منه ولابد من السعي في منزلقات مضماره الى نهاية الاتفاق مع شريكهم الآخر ..حيث أضاعا الزمن والفرص التي كان من الممكن استغلالها فيما ينفع الوطن ومواطنيه كسبًا لخيار التوحد لا الفرقة التي كانت أو ستكون نتيجة طبيعية لحالة الاستقطاب والشد والجذب نحو المصالح الذاتية والحزبية الضيقة بالقدر الذي كانت نتيجته حالة الإحباط التي ستطيح بوحدة البلاد وفقًا لكل الشواهد الماثلة. لقد أثبتت كل تجارب الأخطاء السياسية السابقة والحالية أن إدمان فشل النخب الحاكمة التي تولت الحكم في بلادنا منذ فجر الاستقلال وحتى المفترق المخيف الحالي..أن العاطفة الناجمة عن التركيبة العقلية السودانية المتساهلة حتى مع تجار القطاعي المتلاعبين بقوت مواطن الحي البسيط ..مرورًا بالمفسدين في مرافق الدولة العامة وانتهاءً بالسياسين الذين عرضوا مكاسب الوطن للضياع ..هي التي جعلت كل المعايير تنفلت بهذا القدر الذي يستهدف بقاء الوطن بكلياته التنموية والأمنية والوحدوية ويلقي بسحابة قاتمة في سماء مستقبله وغد أجياله الحالية والتي باتت تتخبط في أوحال البطالة والضياع الاجتماعي الذي يشكل أخطر التحديات إذ إنه يمس شريحة الأجيال التي يرتكز عليها ما تبقى من أمل في بناء الوطن.. بالطبع نحن لا ندعو الى نصب المشانق ولا أخذ البريء بجريرة المذنب ..ولكننا ندعو للحساب ( الولد ) الذي يعيد الأمور الى نصابها سعيًا وراء لملمة ما تبقى من التراب الذي بللته دماء الشهداء من أجدادنا وذهبت فيه أرواح كثيرة الى بارئها كل حسب نيته أمام مليك مقتدر فمتى ياترى يحين وقت انعقاد محكمة التاريخ بغية إنصاف الوطن ممثلاً في ترابه قبل أن تزروه رياح خطل الحماقات السياسية.. المتكررة دون رادع و إعادة الحقوق الى مواطنه الذي دفع ما يزيد عن نصف قرن من عمر استقلاله الناقص وقعد دون تحقيق الحد الأدنى من طموحاته..والسبب هو نظرية ( عفا الله عما سلف ..والجاتك في بلادك سامحتك.)..ولكن الى متى .... والله من وراء القصد.... كاتب صحفي سوداني مقيم بدولة الامارات العربية المتحدة.