زمان مثل هذا في انتظار عزرائيل الصادق المهدي الشريف قضيتان على درجةٍ عالية من الأهمية بالنسبة لصحة الأطفال أردنا أن نسلط عليهما الضوء قبل أن تغرب شمس هذا الأسبوع. ونتمنى ألا تجد هاتان القضيتان – كما هي العادة – آذاناً صُماً من جهات الاختصاص... لأنَّ الحديث عن صحة الأطفال لا يعني في المقام الأول إلا وزارة الصحة. القضية الأولى هي تزايد حالات (حمى التسمم الدموي القاتلة)، والتي أشار إليها بقلق البروفيسور يونس عبد الرحمن اسحاق المدير العام لمستشفى جعفر بن عوف التخصصي للأطفال. والحُمى هذه تصيب الأطفال حديثي الولادة، وتسببها بكتريا غير معروفة، بدليل أنّ مدير المستشفى قال إنّ هذه الحمى تحتاج المزيد من البحث الدقيق لمعرفة الميكروبات المسببة لها، وتحديد المضادات الحيوية المناسبة والفعّالة من أجل (أولاً: تقليص نسبة الوفيات، وثانياً: تقليل الهدر المالي الناجم عن إعطاء مضادات ذات مفعول واسع وباهظة الثمن). حديث بروف يونس كان للزميلة صحيفة الصحافة الغراء، وإشارته لضرورة البحث الدقيق هدفهُ تقليص نسبة الوفيات بين الأطفال، لأنّ الأطباء لا يعلمون لهذه الحمى علاجاً ناجعاً، ولأنّها لن تنتظر أن يأتيها العلاج المناسب حتى تغادر جسد الطفل. ولا بُدَّ أن نذكر هنا ظاهرة لجوء الأطباء إلى الحلول السهلة في علاج أمراض الأطفال ذات الطبيعة البكتيرية. إذ يلجأ كثيرٌ من الأطباء إلى منح الطفل المريض مضادا حيويا (واسع الطيف) يقتل عدداً ضخماً من البكتريا سالبة الغرام وموجبة الغرام. ما يفعله الأطباء بالأطفال بتلك الطريقة أشبه بحرق منزلٍ لمكافحة الصراصير، لأنّ هناك بكتيريا مفيدة للجسم، تقضي نحبها مع بقية البكتريا بفعل ذلك المضاد الحيوي الواسع. كما إنّ أسعار المضادات واسعة الطيف ليست في متناول كلّ الأسر، وربما هذا ما عناه بروف يونس بِ(تقليل الهدر المالي الناجم عن إعطاء مضادات ذات مفعول واسع وباهظة الثمن). القضية الثانية هي قضية الأطفال المصابين بمرض عدم تخثر الدم (الهيموفيليا)، والذين يعانون هذه الأيام معاناة أخرى إلى جانب معاناتهم من المرض الذي يمنعهم من الحياة الطبيعية. المعاناة الأخرى هي عدم توفر حقن تخثّر الدم (فاكتر) والتي كان مستشفى الخرطوم يقدمها مجاناً لمرضى الهيموفيليا. عدم توفر العلاج بالمستشفى، يعني تلقائياً براءة المستشفى من أيِّ حالة وفاة نتيجة مضاعفات المرض. ويعني في ذات الوقت بداية شقاءٍ لا ينتهي لأسرة الطفل المريض؛ لأنّ قيمة الحقنة الواحدة (من الإمدادات الطبية = 500 جنيه). وقد لا تكفي حقنة واحدة لعلاج الطفل، فيحتاجُ إلى حقنتين أو أربعٍ أو ستٍ... ولا مناص أمام الأسرة إلا أن تدفع... أو تنتظر قابض الأرواح ليأخذ أمانته. هذه أوضاعٌ لا تستطيع معالجتها إلا الحكومة، ممثلة في وزارة الصحة، أو بالأحرى وزارة المالية، للتوجيه بدفع تكاليف علاج كل مرضى الهيموفيليا، صغاراً وكباراً. والنداءات التي تنشرها الصحف لذوي القلوب الرحيمة (قد) تسهم في علاج حالة واحدة أو حالتين، وهي خطوة مباركة من الصحف لأنّها تفتح أبواب الخير، وتُعضد التراحم بين الناس. لكن ومهما تكاثر فاعلوا الخير، فإنّهم لن يستطيعوا علاج كل المرضى.. لهذا لا بديل للحكومة هُنا إلا الحكومة. التيار