هناك فرق. الجيران والسفارة ..! منى أبو زيد كان الفنان المصري عادل إمام واقفاً على المسرح يردد جملته الشهيرة (أنا غلبان)، في مسرحية (شاهد ما شافش حاجة)، عندما وُجهت إليه تهمة عرقلة مسيرة السلام مع إسرائيل، وحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر بسبب عبارات اشتم فيها رائحة التعريض برئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيجن ..! اقتسم بيجن والسادات جائزة نوبل للسلام .. ورفرف العلم الإسرائيلي فوق مبنى سفارة دولته بالقاهرة .. ومرت الأعوام وقدّم عادل إمام دور مواطن مصري يبغض إسرائيل في الفيلم الشهير (السفارة في العمارة) .. ولم يدخل السجن – هذه المرة – لأن احتجاج الشعوب على تغريد الحكومات العربية خارج أسراب ما عاد سراً أو جرماً يقتضي محاسبة ..! يوماً ما قال عبد الواحد محمد نور (عندما أتولى السلطة سأعمل على فتح سفارة وقنصليات إسرائيلية في كل مناطق السودان.. وعلى وجه الخصوص في دارفور) .. واليوم تقول الحركة الشعبية إن علاقاتها مع جميع دول العالم – بما فيها إسرائيل - قائمة على المصلحة .. وعليه فليس من العيب أبداً أن تتحول بعض المكاتب التي تحتضن بواكير بعض العلاقات الدولية إلى سفارات رسمية لتلك الدول ..! إسرائيل كانت دوماً تفعل – بالخفاء - ما تريد .. والمواطن العربي طقّ من القهر فبات يقول ما يريد .. والحكومات العربية أضحت تؤمن بالمبدأ القائل (يكفي أحياناً أن لا تقول ما لا تريد) .. والنتيجة أن إسرائيل اليوم لا تحرص على الخفاء .. بل صارت تقول – أيضاً - ما تريد ..! وهاهو رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية يودع منصبه – اليوم - بتوزيع بضع حبات من حلوى الأسرار لوسائل الإعلام .. كاشفاً عن نجاح إسرائيل في دعم وتأمين وصول السلاح للحركات المسلحة في دارفور، ومتحدثاً عن شبكات في غرب السودان وجنوبه تقود أهداف إسرائيل في السودان .. ومفاخراً بالجهد الإسرائيلي المبذول لدعم الحركة الشعبية عبر جهاز أمني خطير .. وكدا ..! وقد سبقه قبل هذا رئيس الوزراء الأسبق آريل شارون مخاطباً مجلس وزرائه قبل نحو سبع سنوات (لقد حان الوقت كي نتدخل في غرب السودان بنفس الوسائل والأهداف التي أدخلتنا ذات يوم جنوب السودان) ..! وبحسب إسرائيل نفسها لولا نشاطها في الجنوب لما رعت اتفاقية نيفاشا .. ولما تأججت صراعات قديمة قِدم وجود الرعي والزراعة في الإقليم نفسه .. فأصبحت العلاقة بين انحسار دور حكماء القبائل المتصارعة وتدفق الأسلحة في دارفور طردية .. تفاخر إسرائيل لم يصل حد إدعاء خلق الصراع ولكنها تعهدت بدور نافخ الكير ..! وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى ألقى ذات يوم محاضرة بعنوان (أبعاد الحركة الإستراتيجية الإسرائيلية القائمة فى البيئة الإقليمية) تحدث فيها عن وجوب التغلغل في غرب السودان .. قال فيها قولته الشهيرة (منطلقاتنا الإستراتيجية تقول إن (سودان) ضعيفاً ومقسماً وهشّاً هو أفضل لمصالح إسرائيل من سودان قوي وموحد) ..! نحن لا نملك الكثير من الوقت حتى نضيعه في إظهار صنوف الدهشة ... هو التطبيع إذن ! .. ذاك خيار السودان الشمالي بعد حلول الاستفتاء .. ليس التطبيع مع إسرائيل - بطبيعة الحال - بل التطبيع مع مُنغِّصات ومكائد ضيوف الجيران الجدد ..! التيار