هناك فرق. في شأن الحصانات ..! منى أبو زيد. (ما نريده الآن ليس قوانين لمكافحة الجريمة، بل قانون لمكافحة الجنون!) .. هكذا تكلم مارك توين في رسالته العاشرة .. بطبيعة الحال ليس هناك أنكى من جنون العظمة وهذيان الطموح عندما يصيبان شخصاً وجد نفسه في موقع سلطة ثم أدرك أن سلوكه المهني، وإن شطح، سوف يبقى بمعزل عن مساءلة القانون ..! جنون العظمة هو الذي صوّر للرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون أنه قادر على دحر خصومه السياسيين عن طريق خرق القانون واستغلال السلطة والنفوذ بالتجسس عليهم .. ولولا جنون العظمة الذي أصاب نيكسون، لما كانت فضيحة ووترجيت .. ولولا وقوف القانون فوق رأس الحصانة لما تمت محاكمته .. ولما خلفه فورد الذي أصدر بحقه عفواً ..! لماذا لم تستطع الكثير من حكومات العالم هزيمة الفساد ؟! .. رئيس إحدى دول أمريكا الجنوبية تبرع يوماً بإجابة عظيمة عن هذا السؤال، عندما قال إن هزيمة الفساد شبه مستحيلة في دول تُشجع تقاليد حكمها على الإفلات من المسؤولية عن طريق ثقافة منح الحصانة ..! ودول العالم الثالث ما بين واقعة ومتعثرة وأخرى تصيب و(تختى) .. في الكويت ومصر ثارت هذا العام – وما تزال – قضايا عديدة انتهت بطلبات رفع الحصانة عن نواب في برلمان هذه ومجلس شعب تلك .. بتهم مختلفة .. يهمنا منها .. استغلال المنصب العام للتلاعب بالصفقات والعقود والعطاءات وقبول الرشاوى .. وتجاوز القوانين لتسهيل حركة المعاملات .. والاستفادة من المركز الوظيفي في الاحتيال على المال العام، وتوظيف الأقارب والبطانة من الموالين دون وجه حق، من أجل غايات شخصية ...إلخ .. بينما بقيت إجراءات رفع الحصانة (الاعتبارية) – قبل الشكلانية - عن المسؤول أو السياسي - عندنا نحن - ثقافة قانونية غائبة وخطوة ديموقراطية غير مُفعلة على الوجه المطلوب .. بينما يجب أن يتوافر التوازن بين أي حصانات أو امتيازات تمنح للمسؤول (الموظف العام) وبين تحقق إمكانية التحقيق معه وملاحقة أفعاله – موضع الاتهام - قضائياً ..! التعدي على المال العام من الجرائم التي يستوجب ثبوتها – في بعض الأحيان- حكم الإعدام، بحسب قوانين الكثير من الدول .. ولكن التعامل معها يكون في الغالب – وللأسف - على طريقة أهل المخزومية في حديث حد السرقة (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها .. الحديث..) السيد وزير العدل طالب حديثاً بتقليل وحصر الحصانات الممنوحة للمسؤولين .. والأهم مطالبته الثمينة بإبعاد مبدأ الحصانة عن مسائل المال العام .. ف لئن كان أكثر من ربع موظفي الدولة آمنين وراء حصون القانون وقلاع الاستثناءات .. فكيف تبقى نصوص القوانين بمنأى عن شرور التعطيل ؟ّ .. ثم كيف تحفظ الدولة – والحال كذلك – هيبة قوانينها الممنوعة من الصرف ..؟! التيار