زاوية حادة مسكين الجان المجني عليه جعفر عباس منذ شهرين والصحافة في إحدى دول الجزيرة العربية تتفاعل مع قضية شديدة الغرابة، بطلها قاضٍ شرعي تم ضبط أدلة تثبت تورطه في تزوير مستندات حول أملاك قيمتها عشرات الملايين، وقد اعترف القاضي بصحة الأدلة وحدوث التزوير بخط يده وتوقيعه على عدد من المستندات، ولكنه - في نفس الوقت - نفى التهمة عن نفسه!! شلون يا شيخنا تكون اعتمدت تلك المستندات وأنت تعلم أنها مُزوّرة، وفعلت ذلك عدة مرات، وتقول إنك ما سويتها؟ هاذي سالفة لا صارت ولا استوت! قال الرجل: نعم أنا وضعت توقيعي على تلك المستندات المزوّرة وكان العائد منها شوية ملايين، بس مو أنا الجاني؟ طَيِّب مَن الجاني طال عمرك؟ جاء الرد: الجاني هو الجان!! تقصد أنّ شخصاً اسمه «الجان» زوّر توقيعك بإتقان؟ لا، أنا اللي وقعت على المستندات بس في شيطان كان متلبسني وهو اللي مسك يدي وخلاني أوقّع على الأوراق... والحين أبغي مساعدة منشان تخلصوني من الجان هذا.. ترا للحين أحس أنه متلبسني.. في نفس تلك الدولة سطا شاب على سيارة نقل أموال وهرب بكيس فيه مئات الآلاف، وابتعد عن موقع الحادث قبل أن يتمكن أحد من مطاردته، وبعد أن توغل في الصحراء، خاطب نفسه بصوت مسموع: إلى الخلف دُر، وكما بطل الراليات مايكل شوماخر، دار بالسيارة في الاتجاه المعاكس حتى تعالى الدخان والصرير بسبب الاحتكاك الشديد بين إطارات السيارة والأسفلت، وقاد سيارته إلى مركز الشرطة قائلاً: حادث السطو اللي صار من شوي أنا اللي سويته والفلوس في السيارة.. حسبه رجال الشرطة معتوهاً وتجاهلوه، ولكنه عاد الى السيارة وحمل كيس الآلاف المُؤلّفة ووضعه أمام رجال الشرطة: ها هو الدليل على أني الجاني، عندها فقط صدقوه وبدأوا معه التحقيق.. نَعود إلى القاضي الشرعي الذي أمسك الشيطان بيده عدة مرات عبر فترة من الزمان، وجعله يعتمد ويوثِّق مستندات مزوّرة، ولم ينتبه الى أنه خاضع لسيطرة الجن إلاّ بعد أن كمشوه.. واستجابةً لطلبه أتوا برجل متخصص في مقارعة الجان وإنزال الهزيمة بهم، وفي جلسة شهدها نفر من الناس، نجح «الأخصائي» في طرد الجان من جسم القاضي المسكين، وأعلن أن مولانا صار (صاغ سليم ومحصن ضد غواية الشيطان)، بعد خروج جني معلوم الهوية والاسم من بدنه.. والقضية لا تزال موضع تحقيق، وطالما الشيطان ذاك معلوم ومعروف ب «الإسم» فقد يتم استدعاؤه أمام المحكمة التي تنظر في قضية التزوير ليعترف بأنه المجرم الحقيقي، واعتقد أنه من السهل الحصول على اعتراف الجني ذاك بالذنب لعدة اعتبارات من بينها أن الشر جزء من طبيعة عمل الشيطان، ولأنه من الواضح أن الجني الذي أمسك بأصابع القاضي حتى وضع توقيعه الصحيح على تلك المستندات، من الصنف التعبان.. جني «أي كلام»، وإلاّ لما وصلت الأمور الى درجة كشف ألاعيبه وتحديد هويته ثم طرده من جسم الشيخ الذي يقول الإدعاء إنه الجاني بينما هو «مجني عليه» ومفعول به والفاعل جني غير مستتر تقديره «هو». الشاب الذي سَطَا على مئات الآلاف فعل ذلك بإيعاز من الشيطان، ولكنه لم يكن بحاجة إلى خبير لتخليصه من تأثير الشيطان، بل هَزمه بقوة الإيمان والإرادة، وتحمّل المسؤولية.. أما شيخنا فمثل كثير من أهل السلطان الذين يمارسون الفساد أو الفسق أو الفجور، فإنه يجد شماعة يُعلِّق عليه أفعاله المخالفة للشرائع السماوية والوضعية، ويكون «عقابه» النقل إلى موقع آخر ليفتح صفحة جديدة في سيرته الذاتية، ويمارس الهبر بذكاءٍ وحذقٍ.. حتى صار مقياس ريختر لقياس درجة الفساد في بلدٍ ما، وجود آلاف الأخصائيين في تطويع وتكتيف الجان، وطمس عيون وعقول العاملين في دواوين المراجعة والمحاسبة الحكومية. الرأي العام