الحاج لم يكن الدور الأمريكي بعيداً عن اتفاقية السلام الشامل منذ المفاوضات التي بدأت العام 2000 وحتى توقيعها في التاسع من يناير .2005 وكان تدخلها مباشراً وحاسماً عندما يصل الشريكان الى منعرج حاد في المفاوضات يوشك أن يطيح بالبنود التي سبق الاتفاق عليها. أبرز تلك الأدوار هو قرارها، الذي انصاع له الشريكان – بإبعاد كافة الأحزاب السياسية الأخرى بما فيها الأحزاب الجنوبية عن المشاركة في مفاوضات السلام الشامل. ولهذا كان الاتفاق الثنائي إسفيناً للتفرقة غرزته الولاياتالمتحدة لتنفرد بالشريكين وتقرر ماتشاء، مستقلة توازن القوى في الصراع العسكري الذي أجهد الطرفين. وتجسد هذا التدخل أيضاً بصورة سافرة في (مبادئ الاتفاق بشأن ابييّ) الذي عرف فيما بعد ببروتوكول أبيي. ويشار له في اتفاق السلام الشامل ب (حسم نزاع أبييّ) وهو عنوان يؤكد ضخامة حجم الخلاف الذي نشب أثناء المفاوضات بين الحركة الشعبية بقيادة د. جون قرنق والنائب الأول في ذلك الوقت، على عثمان محمد طه. فعندما أوشكت المفاوضات على الانهيار التام، أرسلت الولاياتالمتحدة مبعوثاً خاصاً من الرئيس الأمريكي بوش، هو السناتور جون دان فورث الذي قام بوضع مبادئ الاتفاق بشأن أبييّ، وانصاع له الطرفان ووقعا عليه دون أي تعديلات في 26 مايو 2004، في نيفاشا بكينيا. ولكن منذ ذلك التاريخ وحتى الآن لم ينفذ الشريكان الاتفاق، مما أدى إلى صراعات قبلية وبين الشريكين كان أكثر ضرراً وخسائر في الأرواح والمؤسسات والبنى التحتية على –بؤسها وشماً- تلك الحرب التي اندلعت في منتصف عام 2008، وأدت إلى قطيعة بين الشريكين إلى أن جاء الدور الأمريكي الذي وضع خرطة طريق اتفق عليها الشريكان. وهى تقضي بعودة النازحين بسبب الحرب وتنفيذ بروتكول أبييّ ووقع عليه الشريكان. وهى تقضي بعودة النازحين بسبب الحرب وتنفيذ بروتوكول أبييّ ووقع عليه الشريكان واعتمده رئيس الجمهورية ونائبه الأول سلفاكير في الخرطوم في 8 يونيو 2008م. في الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية في ذلك الاجتماع جاء، مثلما كان تجاوز مشكلة أبيي أثناء التفاوض مفتاحاً لاتفاقية السلام بأكملها، فإن الاتفاق اليوم على خارطة الطريق يعد ايذاناً بتجاوز صعوبات التنفيذ ومثلاً لشيطان الخلاف. ولئن مثلت أبييّ يوماً المحك فإنها اليوم مناط الامل ومعقد الرجاء. (راجع صحيفة السوداني عدد الاثنين 9 يونيو 2008) غير أنّ شيئاً لم يحدث في التنفيذ العملي، رغم أنّ البند في خارطة الطريق نص على أنه إذا فشل الطرفان في التوصل خلال شهر أي في يوليو 2008 للوصول إلى الحل، يسمى الأمين العام للمحكمة الدائمة للتحكيم في لاهاي خلال خمسة عشرة يوماً. ولكن ولكل أسف ورغم مرور أكثر من عامين على قرارات محكمة لاهاي فقد ظل كل ذلك حبراً على ورق ولازالت مشكلة أبييّ تراوح مكانها، بل زادت تعقيداً. ولهذا نلحظ الزيارات المكوكية للسودان من المبعوثين الأمريكيين الخاصين وعلى رأسهم غرايشن والسناتور الأمريكي جون كيري ثامبو امبيكي وغيرهم من زعماء وسفراء دول الجوار واروبا والعالم العربي خلال العامين الماضيين وحتى يومنا هذا كلها لم تثمر في طي النزاع حول ملف أبييّ. هذا الفشل يعزي بصورة أساسية للنزاع حول حقول البترول ومناطقه الاستراتيجية، وهذا ماجعل الإدارة الأمريكية أكثر شراسة وتدخلاً في الأزمة العامة للبلاد. يحدث هذا رغم أنّ برتوكول أبييّ كان واضحاً ومحدداً فيما يجب أن يحدث عند بدء الفترة الانتقالية وبعد نهايتها. بشأن الخلاف الدائر حول من هم سكان أبييّ ومن يحق لهم التصويت، فقد جاء في المادة (6) من الاتفاقية أنهم: أعضاء دينكا نقوك والسودانيون المقيمون في المنطقة. وكذلك في المادة (6-2) التي تقول أنّ سكان أبييّ هم مواطنون في كل من غرب كردفان وبحر الغزال. مع تمثيلهم في الأجهزة التشريعية بكل من الولايتين. ذلك يؤكد، رغم الثغرات في الاتفاقية مثل ما جاء في البند (ب) من المادة 6 ( تضع لجنة الاستفتاء لأبييّ معايير الاقامة في المنطقة). أنه كان من الممكن الوصول إلى حلول مرضية لكل الأطراف. عند الفترة الانتقالية أوضحت المادة (أ) ببنودها الخمسة من هم سكان أبيي بما أشرنا اليه آنفاً وان تدار أبييّ بواسطة مجلس تنفيذي محلي منتخب ديمقراطياً بواسطة سكان أبييّ. هذا فيما يتعلق بقسمة السلطة. اما فيما يتعلق بقسمة الثروة فقد حددت المادة (1-2-3) ان يتم تقسيم صافي عائدات البترول من ابييّ إلى ستة أقسام خلال الفترة الانتقالية : الحكومة 50% حكومة الجنوب 42%، بحر الغزال 2%، غرب كردفان 2% محلياً دينكا نقوك 2% ومحلياً المسيرية2%. كذلك كانت اتفاقية أبييّ واضحة ايضاً فيما أن يكون عليه الحال عند نهاية المرحلة الانتقالية. جاء في المادة (8) ببنودها الثلاثة عن مفوضية استفتاء أبييّ: تنشئ الرئاسة مفوضية استفتاء أبييّ لإجراء الاستفتاء بالتزامن مع استفتاء جنوب السودان. يدلي سكان أبييّ بأصواتهم في اقتراع منفصل حول الخيارين التاليين بصرف النظر عن نتائج استفتاء جنوب السودان. أن تحتفظ أبييّ بوضعها الإداري الخاص في الشمال. ان تكون أبييّ جزءاً من بحر الغزال. وأن الخط بين الشمال والجنوب الموروث منذ أول يناير 1956 غير قابل للانتهاك إلا كما اتفق عليه أعلاه. لقد كان قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني الصادر في 29 اكتوبر 2010 صائباً ومتسقاً مع الاتفاقية وجاداً في دعوته للوحدة وصادقاً في رأيه عن إجراء الاستفتاء في مواعيده. ولهذا طالب باعطاء الفرصة كاملة لحكماء وزعماء قبائل المسيرية والدينكا في منطقة أبييّ من أجل الحوار والتفاوض بعيداً عن وصاية المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ويجدد ثقته في قدرة هؤلاء الحكماء والزعماء على الاتفاق من أجل التعايش السلمي بين كل سكان منطقة أبييّ والتوصل لحلول ناجعة لقضاياهم. الميدان