بسم الله الرحمن الرحيم دعوة الي زيارة \"الحصن الحصين\" محمد عبد المجيد أمين [email protected] يا لنا من شعب \"طيب\"... ( أو هكذا نبدو) نثق دوما في الزعماء ، حتي أننا نضعهم في أحيان كثيرة في مرتبة لاتتناسب مع انجازاتهم وقدراتهم ومواقفهم ثم ما نلبث أن ننال منهم بمجرد كشف الغطاء عنهم. وهكذا دواليك ، يمرعلينا بين آن وآخر حكاما اما من العسكر أو من الأحزاب التقليدية أو الطائفية ، وفي كل مرة نتعشم في كل منهم خيرا ونقبل ما يقدموه لنا طوعا أو كرها ،وكلما يٌبدأ في النفخ في روح الوطن ، تأتي الرياح بسفن أخري ، ثم يعاد النفخ من جديد بزعيم جديد ودستور جديد وحكومة جديدة ولكن!!...الي متي سنظل ننفخ ؟! ، والي متي ستظل البلاد، ونحن معها ...هكذا ، تتقاذفها الرياح، يمضي بنا الزمن ونحن نتقلب بين أحضان الطامعين ومحبي السلطة ونخضع لأهواء الطغاة ؟!!. هناك ثلاثة أسباب ربما لها علاقة بهذه الظاهرة التي تضعنا دائما في نفس الدائرة المغلقة ، وكلها سالبة : 1- اما اننا شعب ( والحكام أولنا) مريض يعاني من حالة نفسية جماعية غامضة ، تتجاوز الحالات المرضية المعروفة في علم النفس ولكن ! مؤكد ان لها علاقة بالجموح نحو التشبث بحب الدنيا والسلطة والجاه ومشبعة تماما بالحب الزائد بالنفس، ولا تعرف معني للايثار ونكران الذات، ونعوض ذلك بادعاء أو اختلاق ما ليس فينا أصلا ونعيش علي أكذوبة وطن بلا وطنية ولا سيادة ولا تاريخ واضح . 2- أو أننا شعب \" ساذج\" الي أبعد حد ، نجهل حقائق الأمور ولا نتعامل معها بواقعية ونوكل حل مشاكلنا للآخرين ولا نحترم الوقت ولا العمل، لذلك نجعل من أنفسنا دوما لقمة سائغة للطامعين . ليس بمستغرب اذن أن يأتي كل من هب ودب ل \"يبلطج \" علينا ، ويتلاعب علينا ويذهب بنا الي حيث يأخذه الهوي ، اما بعنصرية ممقوتة أو بطائفية تتعلق بالاشخاص تذهب بأساس التوحيد أو بدعاوي دينية تفضحها سورة المنافقون (لمخالفة البيان للعمل) أو الي أفكار ونظريات لم ولن تفلح أبدا واذا رضينا بكل ذلك فهذا يعني أننا نميل الي \" شغل\" البلطجة ، أو نستحسنه علي الأقل واذ لم نرضه ولم نجهر بالاعتراض ( وهذا يحتاج الي شجاعة قلما تجدها في هذا البلد) فذلك يضعنا مع زمرة الشياطين الخرس ، نتفرج فقط ... مع تحمل كامل مسئولية الحساب. 3- أو أننا نتلقي عقابا ما علي عدم شكرنا للنعمة التي خصنا بها المولي عز وجل بتفريطنا الواضح في القيم والمبادئ، وأخيرا الأرض وعجزنا البين في ادارة أنفسنا وفق أسس و أهداف محددة أو الاتفاق علي كلمة واحدة أو الاجتماع علي قلب رجل واحد، فيسلط علينا من يسومنا سوء العذاب -طالما أن الشئ بالشئ يذكر - والجزاء من جنس العمل . يرجع ذلك الي اهمال الخطاب الديني الموحد والمتوزان والمتجدد والنئ عن تحقيق مقاصد الشريعة في التربية والتعليم وعدم ادراك أهميتها ودورها في تنظيم الحياة الخاصة والعامة معا ، فهي بمثابة \" الحصن الحصين \" المعلوم الحدود والأركان ووسائل الدفاع وأن مجرد الخروج منه هكذا \" اعتباطا\" فكأنما هو الخروج من المعلوم الي المجهول وهذا هو عين التيه الذي ذاقه أعداء الله من قبل ويسعون الآن إلي جر الشعوب الأخري إليه. يقال أن العلة لا تزول الا بعد تشخيص المرض وتحديد الدواء الناجع والشاف ولكن.!! ...أين ذلك المعالج الناجح الذي يكتب لنا وصفة جماعية تشفنا من هذه العلل؟. أليس هو ذاك الأقرب الينا من حبل الوريد؟. اليس هو القائل في محكم التنزيل \" قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا\" الشمس/9،10؟. هذه كلها بديهيات واستحقاقات مثبتة في أم الكتاب وفي السنة المباركة ويعرفها اغلب الناس ( وهي التي سنحاسب عليها ) ولكننا نتهرب منها دوما ولا نضعها ضمن أجنداتنا ولا نعتمدها بشكل جاد في حياتنا اليومية ، بل نبحث عن مخارج أخري انصرافية نمضي بها الوقت في التجريب ولأن \" التجريب\"ليس هو المقصد ، فاننا حتما سنضيع الوقت سدي بينما نعلم يقينا أنه ليس بهذا تنبني الأمم ولا بذلك تصان الأوطان. ان كل الخصال والشمائل السمحاء من عدل واحسان ومساواة ورحمة هي في الأساس أركان ودعائم الحصن الحصين فلماذا لا نؤسس دولة مدنية عادية ولكن... قوية داخل هذا الحصن ... دون افراط أو تفريط ؟. تبقي المعضلة في البحث عن \" الأخيار\" الذين سيتلون هذه المهمة في هذا البلد !!. فأين \" الأخيار\"؟. يضبط النظام الأمريكي الأمة ويتعامل مع الشعب والأحداث والسلوك العام والخاص وفق تصنيف محدد : الأخيار والأشرار .... الأخيار يلتزمون بالقانون والدستور ويطبقونهما والأشرار يفعلون عكس ذلك تماما . ومع ذلك لا يكون الأخيار دوما \" أخيارا\" اذ عندما تتعلق المواقف بمصلحة الأمة الأمريكية سرعان ما يتحول الأخيار الي \" أشرار\" من وجه نظر الأخلاق العامة. وهذا نراه واضحا في السياسات الأمريكية الخارجية. هذا مجرد مثال قصد به تحديد الرؤية وليس بالضرورة تبني المنهج الذي نراه. في حالتنا السودانية نري الصورة عكس ذلك تماما ، فالأشرار هم الذين يتولون كل المسئولية ولا عجب وهذا الحال أن نري بأم أعيننا ونعيش في مجتمع ملؤه الكذب والغش والسرقة والنفاق والتدليس، مجتمع قد نخره الفساد بفعل الطغاة ؟ الا يحق لنا بعدئذ أن نحاسب ونقتص من الطغاة ؟. ولكن..!! أني ذلك والعدالة الأرضية ايضا فاسدة .كيف يحاكم الفساد بالفساد؟. هذه بحق معضلة ، لأن الطغاة في \" غييهم\" ماضون بعدما قوضوا \"الحصن الحصين\" بأفعالهم فوق رؤوسنا ، وعلي الجانب الآخر اصبح البحث عن \"أخيار\" يوثق فيهم امرا صعبا ، ان لم يكن مستحيلا في هذا البلد . يذكر الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه \" المقصد الأسني في شرح معاني أسماء الله الحسني \" في شرحه لإسمه تعالي \" المقسط \" ما يلي : \"هو الذي ينتصف للمظلوم من الظالم وكما له في أن يضيف إلى إرضاء المظلوم إرضاء الظالم وذلك غاية العدل والإنصاف ولا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى ومثاله ما روي عن النبي أنه بينما هو جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر رضي الله عنه بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما الذي أضحكك قال رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما يا رب خذ لي مظلمتي من هذا فقال الله عز وجل رد على أخيك مظلمته فقال يا رب لم يبق لي من حسناتي شيء فقال عز وجل للطالب كيف تصنع بأخيك لم يبق من حسناته شيء فقال يا رب فليحمل عني من أوزاري ثم فاضت عينا رسول الله بالبكاء وقال: إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس إلى أن يحمل عنهم من أوزارهم قال فيقول الله عز وجل للمتظلم ارفع بصرك فانظر في الجنان فقال يا رب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا أو لأي صديق أو لأي شهيد قال الله عز وجل هذا لمن أعطى الثمن قال يا رب ومن يملك ذلك قال أنت تملكه قال بماذا يا رب قال : بعفوك عن أخيك قال يا رب قد عفوت عنه قال الله عز وجل خذ بيد أخيك فأدخله الجنة ثم قال اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله تبارك وتعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة. فهذا سبيل الانتصاف والإنصاف ولا يقدر على مثله إلا رب الأرباب وأوفر العباد حظا من هذا الاسم من ينتصف أولا من نفسه ثم لغيره من غيره ولا ينتصف لنفسه من غيره\". هذا والله أعلم وهو من وراء القصد الدمازين في : 2011/01/08م. محمد عبد المجيد أمين(عمر براق) [email protected]