بسم الله الرحمن الرحيم المسيرية والدينكا النزف المستمر والشهد المفقود الصادق ادم المامون [email protected] إن الإنسان مجلوب علي حب الوطن وديننا الحنيف عظم من قدر الإنتماء إلي الوطن وتعهد بنصر الذين يخرجون من ديارهم قال تعالي : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله علي نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله . . . ) ويتضح هنا أن الظلم والإخراج من الأرض له دواعي عقدية وقيمية متعلقة بالظلم . ومن هذه الزاوية أرجو أن أدلي بدلوي من باب الإٍسهام في وقف التدحرج نحو الهاوية . أولاً :- الصراع في أبيي صراع تتحمل مسؤوليته النخب الحاكمة التي تعاقبت علي حكم السودان عسكرياً ويتحمل وزره بشكل أكبر حزب المؤتمر الوطني فبالرجوع لتاريخ النزاع أو بالأصح النزاعات القبلية التي تطرأ بين القبائل المتعايشة في المنطقة نجد أنها تحل حلاً محلياً مستنداً علي العرف المحلي ولكن هنالك أبعاد جديدة أضيفت للصراع في المنطقة , أهمها :- 1- إكتشاف البترول وإستخراجه وإعتماد الدولة السودانية عليه كرافد رئيسي للإقتصاد السوداني . 2- عدم العدالة في توزيع عائد هذا المنتج أو إستفادة المناطق المنتجة من ريعه. 3- إستخدام المؤتمر الوطني لقبيلة المسيرية لإدارة صراعاته الحزبية بالوكالة . هذه الأسباب لازمتها أسباب أخري أهمها :- 1- إنفتاح شهية الحركة الشعبية للمنطقة بعد إكتشاف النفط فيها وخاصة أن الحركة الشعبية تطمع في الإنفصال بالجنوب وهذه الدولة المتوقعة هي الأخري ستعتمد في بادئ الأمر علي عائدات النفط . 2- الصراع العالمي بين شركات النفط وخاصة بين الصين والولايات المتحدة وبريطانيا . ظواهر الصراع في الآونة الأخيرة :- من طرف الحركة الشعبية :- 1- الصراع تخطط له لوبيات متخصصة داخل وخارج السودان وذات نفوذ عالمي علي طرفي الحكم في السودان . 2- القوي العسكرية التي تفتعل الصراع وتتصدي له هو جيش منظم وترعاه دولة في المستقبل القريب إذا كانت نتيجة الإستفتاء هي الإنفصال , هذه الدولة ستكون لها حلفاء في المجال الأمني والإستخباراتي وهي جهات ذات إمكانيات عالية . 3- الحركة الشعبية مواطنيها يمكن أن يهجروا في عمق الجنوب وتكون المنطقة المتنازع عليها ما في باطنها سيستخرج بعد حسم النزاع . 4- بالنسبة للحركة الشعبية معهم شرعية حكم محكمة التحكيم الدولية التي أرتضي المؤتمر الوطني أن تكون أحكامها نهائية ولا يمكن إستئنافها . 5- معظم سكان أبيي من طرف الحركة الشعبية جربوا تجارب النزوح والعيش في مناطق أخري مستضافين نتيجة صراع بما في ذلك إستضافتهم في المنطقة المتنازع عليها الآن وعليه هم نتاج لهذا الأرث . أما الطرف الأخر للصراع :- 1- أفراد قبيلة المسيرية هم الذين يتصدون لأي صراع في السابق والمستقبل وبشكل عفوي وغير مرتب له ذاتياً وقد يكونوا مدفوعين للصراع من قبل عوامل خارجهم في بعض الأحيان دون علمهم أو بعلمهم . 2- في طرف الحركة الشعبية هناك إجماع في طريقة التصدي أو الحل للقضية بخلاف ما يحدث للمسيرية فهنالك أعداد كبيرة من أفراد المسيرية هم الآن في الجيش الشعبي وهناك طيف كبير من المسيرية لم يشارك في كل مراحل الصراع وهم غير راضين هذا الواقع ولديهم وجهات نظر مخالفة لما يجري علي الأرض . 3- عدد كبير من المسيرية يشعرون بالغبن الكبير تجاه المؤتمر الوطني لعدم إنصافهم سواء كان في تذويب ولاية غرب كردفان أو ما لازم إستخراج البترول من ظلم بائن في كل مناحي البنية التحتية التي تلازمه أو التهميش في مناحي الحياة الأخرى بل عدم رضاهم عن الطريقة التي أدير بها ملف أبيي نفسه أو طريقة إدارة البلاد في مجملها ( أو ملف منظمة سواك ) . ظهر هذا الغبن في الحركات الإحتجاجية التي برزت في المنطقة إبتداءاً من حركة شهامة وشباب القطاع الغربي والمنبر الحر والآن هنالك أعداد كبيرة من أبناء المسيرية مع الحركات المسلحة في دارفور وهذا يفسر أن قبيلة المسيرية تعتمد علي المؤتمر الوطني الذي تشكو منه ومن ظلمه لأهل السودان بصفة عامة . 4- أن قبيلة المسيرية ومنذ دخولها السودان وإستقرارها في هذه المنطقة لم تهاجر أو تنزح بشكل جماعي أو تغير نمط عيشها بشكل مفاجأ أكاد أجزم أنها معتمدة علي الرعي بشكل كلي وعليه هي غير مستعدة من الناحية الإقتصادية أو الإجتماعية لأي تغيير مفاجأ وقد يعرضها ذلك للزوال . 5- أن طبيعة الصراع وموازين القوي قد تتغير حال نشوب حرب مستقبلية . 6- أن المجتمع الدولي بتركيبته الحالية المبنية علي سيطرة الدول الكبري علي مؤسساته سوف لن يفرط في حماية قرار محكمة التحكيم الدولية بعد إنفصال دولة الجنوب وسيحدث تدخل دولي مثل ما حدث في دول كثيرة وهو سوف لن يكن في صالح المسيرية . 7- في جانب الحركة الشعبية يتم إشراك أشهر مكاتب المحاماة في العالم وكل مفكري أبناء الجنوب في القضية أما في الشمال معظمهم يتحدثون أن القضية هي قضية المسيرية ومن يحركون القضية علي الأرض غير واضعين في حساباتهم كل معطيات اللعبة السياسية وموازين القوي . إذاوضعنا في الحسبان وضع المسيرية الجغرافي فهم ليس علي ما يرام مع جيرانهم من الناحية الغربية ( الرزيقات ) وهذه العلاقة تتأرجح بين الشد والجزب وربما كان للسلطة دور في ذلك . وكذلك العلاقة مع الأخوة في جبال النوبة . وتحليلاً لهذا الصراع نجد أن المسيرية يواجهون مصيرهم لوحدهم دون مشاركة بقية جيرانهم ولأن طبيعة الصراع الغير منظم لا تساعد علي ذلك بل قد تحدث إحتكاكات مستقبلية مع الحمر في الشمال والرزيقات في الغرب بسبب ضعف المرعي في حال نشوب أي صراع مستقبلي بين المسيرية والجنوب . وبناءاً علي كل هذه الملابسات حكومة الشمال قد تضحي بالمسيرية إذا وجدت إغراءات من قبل المجتمع الدولي أو دخلت التفاهمات الأمنية بين الدولتين في عدة ملفات منها ملف دارفور وملف الحدود والبترول والمياه والديون الخارجية , وعليه المراهنة علي دعم النظام للمسيرية رهان خاسر في ظل كل هذه الظروف . ما المخرج ؟ أولاً :- الآن من الصعوبة بمكان إقناع دينكا نقوك بأن تحل القضية خارج قرار المحكمة وخاصة بعد إنفصال دولة الجنوب ولقد تقلصت بشكل كبير إمكانية الوصول بالحوار المباشر بين المسيرية ونقوك لنهايات مقبولة للطرفين. ثانياً :- هناك خيارات تسوية مطروحة بين الشريكين فعلي المؤتمر الوطني أن يطلع المسيرية وبشكل صريح بكل البدائل المطروحة لدراستها حتي لا تكرر تجربة برتكول أبيي وقرار محكمة التحكيم وعلي المسيرية أن يوسعوا الحوار فيما بينهم في كل البدائل المطروحة في الساحة . وبناءاً علي ما تقدم علي المسيرية ترجيح صوت العقل وتهدئة الأمور علي الأرض وتهيئة المناخ لحوار مباشر بينهم ودينكا نقوك لحين نتيجة الإستفتاء في الجنوب وما ينتج عنه الحال في السودان الشمالي بعد الإنفصال المتوقع .