بالمنطق رغم الجعجعة والعنتريات..!!!! صلاح عووضة * الصحفي الفلسطيني ناصر الدين النشاشيبي هو ثاني صحفي عربي أُكثر من الإشارة إليه بعد الصحفي المصري أنيس منصور.. * وإشارتي إلى الصحفيين هذين نابعة عن إعجابٍ تختلف مسبباته من أحدهما إلى الآخر.. * فأما أنيس فيعجبني أسلوبه السهل الرشيق السلس غير ذي التكلّف والتفلسف والتقعّر رغم أنه أستاذ في الفلسفة.. * وأذكر أن صحفياً إسلامياً مصرياً قال لي مرةً إن (إخوانه!!) يقولون فيما بينهم: (إقرأ لأنيس منصور وألعنه).. * أي بمعنى، (استمتع) بكتاباته ثم قل: (أعوذ بالله).. * ولا أعلم سبباً واحداً للعن منصور، أو الإستعاذة بالله منه، بما أنه لا (يلعن) سوى العنتريات العربية القائمة على الجعجعة وليس الفعل.. * وبسبب موقفه هذا من الجعجعة غير ذات الطحن حُورِب أنيس منصور قبيل نكسة حزيران (67) وقيل له: (أسكت خلينا نشتغل!!).. * والشغل هذا لم يكن سوى جعجعات عنترية تنذر برمي إسرائيل في البحر كان أبرز فرسانها في مجال الإعلام أحمد سعيد ومحمد حسنين هيكل.. * وإلى يومنا هذا ظل رأي أنيس في هيكل مختزلاً في عبارة: (هوَّ بتاع كلام وبس).. * ويشاطر أنيس رأيه هذا ناصر الدين النشاشيبي الذي قلنا إنه ثانيَ اثنين نعجب بهما من بين الصحفيين العرب.. * وإعجابنا بالنشاشيبي ليس للسبب هذا تحديداً وإنما بسبب مقالاتٍ له كان يُعزِي فيها (العجز!!) العربي إلى (إستئساد!!) من جانب الحكام على شعوبهم و(استنعام!!) أمام أعداء الخارج.. * وأكثر مقالٍ من هذه الشاكلة أعجبنا ذاك الذي جاء تحت عنوان (الذين يقعدون ولا يقومون) في إشارة إلى الحكام هؤلاء.. * وفي لحظة يأس بعد طول صراخٍ في ربع العرب الخالي (قام!!) النشاشيبي عن كرسي الكتابة عوضاً عن (قيام!!) الحكام هؤلاء عن كراسي السلطة.. * فقد أعلن إعتزاله الكتابة الصحفية: يأساً، وقرفاً، وإحباطاً قبل أن يعود إليها - بعد فترة - بضغطٍ من قُرَّائه.. * وفي آخر حوار أُجري مع النشاشيبي - وهو على فراش المرض - قال إن هيكل كان أحد عوامل نكسة يونيو (67).. * فهو الذي حسب النشاشيبي أقنع عبد الناصر بانتظار الضربة الإسرائيلية، وامتصاصها، ومن ثَّم الرد.. * ورغم ذلك مازال هيكل إلى يومنا هذا يمارس هواية الجعجعة (العروبية!!) وإدعاء البطولات.. * وما من إشارةٍ في جعجعاته الكثيرة هذه (أبداً) - أي هيكل - إلى أس الأزمة العربية المتمثلة في (قعودٍ!!) للحكام العرب لا (قيام!!) له.. * أو هو (قيامٌ) إذا حدث وفقاً لما كان يقوله النشاشيبي فهو يكون جراء (الشديد القوي!!!).. فهو إما قيام بسبب ثورة شعبية، أو بسبب إنقلاب عسكري، أو بسبب الموت.. * وكان النشاشيبي دائم الاستشهاد في ذلك بتجارب السودان على عكس أجهزة الإعلام العربية الآن التي تنظر إلى ثورة تونس الشعبية بحسبانها الأولى في العالم العربي.. * وبما أن ناصر الدين كان يستبطئ إنتقال عدوى التجربة السودانية إلى بقية شعوب المنطقة العربية فلعله سعيدٌ الآن بثورة التوانسة على أحد (القاعدين!!) هؤلاء.. * لعله سعيدٌ بذلك رغم أنه هو نفسه بات (قاعداً) بسبب المرض.. * ورغم أن الإنتقال هذا للعدوى (الحميدة) طال انتظاره له سنوات طويلة.. * ورغم أن هنالك من العرب من قد ينكر أصلاً وجود أية عدوى - سودانية في ذاك الذي حدث في تونس.. * فالمهم هو أن يُجبرُ (القاعدون!!) هؤلاء على (القيام!!) ماداموا لا يقومون بالتي هي أحسن.. * وماداموا يعدِّلون دساتيرهم التي صاغوها هم أنفسهم من أجل (تمديد!!) يعقبه (تمديد!!) يعقبه (توريث!!).. * وماداموا يقولون للناصحين من الصحفيين: (إسكتوا، خلونا نشتغل).. * ثم لا يكون شغلهم هذا إلا جعجعاتٍ عنترية لا يعقبها طحنٌ ولو (أُحتلَّت!!) أجزاء من تراب أوطانهم.. * بل قد يكون العجز عن الطحن هذا (خارجياً) وبالاً على الشعوب (داخلياً).. * فهم حينها أي الحكام هؤلاء ربما يمارسون على شعوبهم (إستئساداً) يعادل عكسياً ما فقدوه من كرامة جراء ما فُرِض عليهم من (استنعام).. * والشيء الذي يعجز أنيس منصور عن فهمه رغم أستاذيته في الفلسفة سرعة التحول من (أسدٍ هصور) إلى (حملٍ وديع) حال إجبار أحد القاعدين هؤلاء على القيام.. * ففي غمضة عين تتلاشى كل مظاهر (القوة) لتحل محلها مظاهر (الضعف).. * وآخر مثال لهذا التحول العجيب زين العابدين بن علي.. * فقد صار (مسكيناً!!) يتوسل رؤساء الدول أن يأووه هو وأفراد أسرته.. * وربما تُسعف بقية من عمر ناصر الدين النشاشيبي كي يرى (قاعداً) آخر قد (قام).. * فرؤوس كثيرة قد أينعت وحان قطافها من قِبَل الشعوب.. * رغم الجعجعة والعنتريات.. * ورغم وجود (أشباه!!) لهيكل. الصحافة